أزمة السكر في إدلب تدخل شهرها الثاني.. احتكار وارتفاع في الأسعار

خاص زيتون

عبر حدود مصطنعة بين مناطق سيطرة المعارضة بإدلب وريف حلب، يلجا عشرات المدنيين لتهريب السكر والزيت والمحروقات، بعد فقدانها من أسواق إدلب منذ أكثر من شهر، بسبب احتكار هيئة تحرير الشام، وطرحها بكميات قليلة في الأسواق لرفع أسعارها.

‏أكياس من السكر يهربها المدنيون من عفرين إلى إدلب، بسبب توفرها هناك بأسعار أرخص، عبر حدود محكومة برصاص هيئة تحرير الشام، لتدر الكثير من المال إلى خزينة الهيئة، بعد فرضها رسوما جديدة على كل كيس من السكر يدخل إلى مناطق سيطرتها في إدلب.

ويصف إعلام الهيئة المدنيين الذين ضاقت بهم سبل العيش بالمهربين المستغلين لحاجة الناس، متجاهلة السبب الذي أدى لفقدان معظم السلع الغذائية من أسواق إدلب، فتواجههم عناصر الهيئة بالرصاص والمطاردة والاعتقال، كما حصل منذ شهر حين أطلقوا النار بشكل مباشر على مجموعة من النساء والأطفال يعملون على نقل المازوت من مناطق ريف حلب، ما أدى لإصابة السيدة “فاطمة عبد الرحمن حميد” 28 عاما من مهجري قرية سفوهن جنوبي إدلب وأم لأربعة أيتام، بطلق ناري بالرأس، ووفاتها في 28 شباط، بعد دخولها في غيبوبة استمرت 18 يوما.

أسباب فقدان السكر من الأسواق

وين ممكن نلاقي سكر.. لأيمت بدو يضل مقطوع.. شو سعر كيلو السكر، أسئلة يرددها أهالي إدلب التي أصبحت منطقة أزمات فكل يوم تشهد فيه المنطقة أزمة جديدة مرة بسبب السكر والزيت ومرة بسبب الخبز ومرة بسبب المحروقات وأخرى بسبب الغاز والكهرباء وغيرها.

اشتكى عدد من الباعة في إدلب منذ منتصف شباط الفائت من فقدان مادة السكر بشكل مفاجئ من مستودعات التجار الموردين دون سابق إنذار، مع العلم أن المادة كانت متوفرة بكثرة في الأسواق وبأسعار مستقرة نسبيا، فقدان بررته حكومة الإنقاذ باحتكار التجار، بينما ارجعه البعض للغزو الروسي على أوكرانيا.

وأشار آخرون إلى تهريب السكر من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرة النظام ومناطق قسد، حيث أن سعر الطن الواحد من السكر في إدلب كان بـ 700 دولار بينما وصل سعره في مناطق سيطرة النظام إلى 1300 دولار.

وعزى البعض الأمر لكساد مادة السكر السائل لدى التجار المحسوبين على هيئة تحرير الشام، ما دفعهم لقطع السكر بغية تصريف شحنات السكر السائل المكدسة في مستودعاتهم، رغم التحذيرات من مخاطر السكر السائل على القلب والصحة وذلك لأنه يرفع من مستوى السكر في الدم.

كيف يؤمن أهالي إدلب احتياجاتهم من السكر

بات الحصول على السكر حلما ومهمة شاقة في إدلب، فمن يرغب في شرب كأس من الشاي قد يضطر لقضاء نصف يومه في طابور للحصول على كيلو غرام واحد من السكر.

اعتاد أبو إبراهيم المهجر من مدينة سراقب على شرب الشاي بعد الغداء، وحاول كثيرا تأمين بعض السكر من المحلات المجاورة لسكنه في مدينة إدلب، واستطاع الحصول على بضع كيلو غرامات بعد دفع 18 ليرة تركية سعر الكيلو الواحد، إلا أن أبو إبراهيم والمعروف بكرمه أصبح عصبيا عندما يتم الحديث عن السكر والشاي لعلمه بأن انتهاء القليل من السكر لديه يعني حرمانه من الشاي بعد الغداء.

أبو محمد صاحب سوبر ماركت في مدينة إدلب، اعتادت زوجته وأطفاله على صنع المهلبية والحلويات يوم الخميس، وبعد أن قامت زوجة أبو محمد بتجهيز الحليب اتصلت على زوجها ليرسل لها كيسا من السكر لإكمال الحلويات، فأخبرها بأن السكر مقطوع، فاضطرت لرمي الحليب.

ولجأ بعض الأهالي إلى شراء بدائل السكر من الصيدليات وهي البدائل الصناعية التي يستخدمها مرضى السكري عادة وأبرزها السكرين، وهو ما دفع بعض الصيدليات لإعادة إعلان وجود المادة لديها.

أبو إبراهيم صاحب محل لصنع الحلويات في ريف إدلب قال لزيتون، إن انقطاع مادة السكر وصعوبة الحصول عليها وارتفاع أسعارها، أجبره على التوقف عن صنع الحلويات، وتوقف العاملين لديه عن العمل، رغم إعالتهم لأسرهم، في ظل ظروف معيشية صعبة للغاية وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والخضروات وغيرها.

ويضيف أبو إبراهيم، منذ منتصف الشهر الماضي، انقطعت مادة السكر وأصبحت نادرة في الأسواق، رغم توفرها في المستودعات، وبات التجار يتحكمون بالسكر ويخفضون الكمية التي يوزعونها على الأسواق، ليرتفع سعر كيس السكر من 38 دولار إلى أكثر من 70 دولار.

وأشار أبو إبراهيم إلى أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت مؤخرا بمقدار الضعف، وخاصة مادة الزيت النباتي الذي شهد ارتفاعا كبيرا بأسعاره، حيث ارتفع سعر الليتر الواحد من 20 ليرة تركية إلى 40 ليرة، بالإضافة إلى الخضروات التي ارتفع سعرها بشكل كبير حيث أن سعر كيلو البندورة تجاوز 8 ليرات والباذنجان 14 ليرة والبطاطا 5 ليرات.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا صوتيا للمرصد أبو شمس، تحدث فيه عن سياسة التضييق والتجويع التي تنتهجها هيئة تحرير الشام، مشبها الوضع في إدلب بحصار قوات الأسد للغوطة الشرقية، رغم أن إدلب مفتوحة على تركيا.

من جانبها عمدت هيئة تحرير الشام إلى توجيه الأوقاف للإيعاز لخطباء المساجد بالابتعاد عن الحديث عن تفاقم الوضع المعيشي ومشروع التجويع والاحتكار وفرض الضرائب وانتقاد السلطات بذريعة أنها تعمل لمصلحة المواطن، والانشغال بالقضايا الدينية فحسب.

خفايا أزمة السكر.. 700 ألف دولار مرابح الهيئة

وكشفت شبكة شام الإخبارية، أن هيئة تحرير الشام قامت بحصر استيراد السكر لمناطق إدلب بثلاث تجار مقربون من أمراء الهيئة، وطلبت من كل تاجر دفع تأمين قدره (700) ألف دولار أمريكي، كما تقوم الهيئة وعبر تجار آخرين، باستيراد السكر إلى مرسين التركية، ومن ثم تقوم بنقله إلى معبر باب الهوى، وهناك يتم تسليم التجار السكر بالأسعار التي تحددها الهيئة.

وأوضحت الشبكة أن سعر طن السكر المستورد من النوع الممتاز، يصل من مرسين التركية إلى معبر باب الهوى الحدودي بسعر 565 دولار، في حين حددت وزارة الاقتصاد سعر المبيع للطن الواحد بـ 770 دولار، أي بفارق أكثر من 200 دولار للطن الواحد، تعود لصالح هيئة تحرير الشام والتجار الموالين لها.

وأشارت الشبكة إلى أن مبلغ التأمين الذي فرضته الهيئة على التجار يمكن من خلاله شراء 3716 طن من السكر، وبفارق الـ 200 دولار لكل طن، يبلغ حجم الربح الإجمالي 700 ألف دولار تذهب لصالح أمراء الحرب وشركائهم من التجار على حساب قوت الشعب قبل طرحه في السوق.

أزمة معيشية حادة تعصف بالمدنيين في إدلب ومناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، بعد الارتفاع الكبير في أسعار كافة السلع الأساسية وفقدان العديد منها من الأسواق، بسبب الاحتكار وغياب الرقابة والحلول من سلطات الأمر الواقع ممثلة بحكومة الإنقاذ التي وجدت في الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا ذريعة مناسبة لزيادة الأسعار والتضييق على المدنيين.

 

حكومة الإنقاذ.. تبريرات غير مقنعة

مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد في حكومة الإنقاذ “حمدو الجاسم” قال لوكالة أنباء الشام التابعة لحكومة الإنقاذ أمس الجمعة، إن عدة شاحنات من السكر وصلت خلال اليومين الماضيين إلى المناطق المحررة عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، ووزعت في الأسواق بإشراف مباشر من لجان الرقابة التموينية، مضيفا أن كميات كبيرة ستدخل خلال الأيام القادمة تزيد عن احتياجات المناطق المحررة.

وزعم “الجاسم” أنه لا يوجد مانع من دخول السكر من مناطق ريف حلب الشمالي، متجاهلا إعلان معبر دير بلوط التابع لهيئة تحرير الشام عن فرض ضريبة تعادل 10 دولار عن كل طن من السكر يدخل إلى مناطق إدلب من منطقة عفرين، وعدم السماح للمدنيين بإدخال أكثر من 5 كيلو غرامات من السكر.

وأرجع “الجاسم” أزمة عدم توفر مادة السكر، إلى العوامل الجوية الصعبة التي أثرت سلبا على النقل البري من تركيا إلى المناطق المحررة، وانتهاء عقود السكر الموقعة مع الجانب التركي منذ مطلع العام الجاري، وعدم تجديد العقود.

وأصدرت وزارة الاقتصاد والموارد في 26 شباط الفائت، قرارا يحدد سعر كيس السكر الواحد (وزن 50 كيلوغراما)، لمحلات الجملة بـ 38.75 دولاراً للكيس الواحد، بينما حددت سعر مبيع الكيلوغرام الواحد للمستهلك بسعر 90 سنتا أو ما يعادلها بالليرة التركية.

قرارات متتالية تخرج بها حكومة الإنقاذ لتزيد من الأعباء على أهالي إدلب، آخرها تخفيض وزن الربطة الخبز من 700 غرام إلى 600 غرام وبسعر 5 ليرات تركية.

سبقها إعلان شركة وتد للمحروقات، رفع سعر ليتر البنزين إلى 1.143 دولار والمازوت المستورد إلى 0.970 دولار واسطوانة الغاز إلى 12.63 دولار، بعد تمهيدها عبر منشورات عن ارتفاع أسعار النفط والمحروقات عالميا، لتبرير رفع أسعارها.

أوضاع معيشية قاسية وأزمة اقتصادية تزيد من صعوبتها قلة فرص العمل، مع اقتراب شهر رمضان، ما سيفاقم من مأساة الأهالي في إدلب في ظل استمرار هيئة تحرير الشام بتضييقها على المدنيين دون اكتراث لأوضاعهم المعيشية الصعبة، واقتصار دور حكومة الإنقاذ على فرض الإتاوات والضرائب لصالح الهيئة وزعيمها الجولاني.

مناطق سيطرة النظام

انعكست تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا بشكل واضح على الواقع الاقتصادي السوري، بالتزامن مع اقتراب شهر رمضان، ما تسبب باختفاء بعض المواد الأساسية وندرة بعضها في مناطق سيطرة النظام السوري.

وشهدت مناطق سيطرة النظام السوري اختفاء شبه كامل للزيوت بمختلف أنواعها، وندرة في السكر والحبوب، دفعت فئات من التجار والمواطنين للإقبال على تخزين ما يستطيعون من مواد أساسية، أو بيعها بأسعار مضاعفة.

عمليات الشراء بكميات كبيرة بهدف التخزين انعكست بشكل سلبي على الفئة الفقيرة ومحدودة الدخل، وعلى السوق الذي شهد حالة من الفوضى، وما زاد الحالة سوءا القرار السابق برفع الدعم الحكومي عن شرائح واسعة من المواطنين.

وتؤكد “جمعية حماية المستهلك” التابعة للنظام السوري، أن 33 مادة غذائية رئيسية تشهد أزمة في السوق على رأسها الزيت والسكر، بسبب قلة الاستيراد والاحتكار من قبل بعض التجار.

قوبلت تلك المشكلة بتحرك حكومي وصفه ناشطون بالشكلي، تمثل حسبما نقلته صحيفة الوطن السورية، بقرار من مجلس الوزراء يمنح فيه “المؤسسة السورية للتجارة” سلفة مالية قدرها 73 مليار ليرة سورية لتوريد 33 ألف طن من مادة السكر لتوزيعها عبر البطاقة الذكية.

إقبال شديد رغم ارتفاع الأسعار

تلك الكميات التي تم الحديث عنها منذ يومين، لم تغير شيئا من الأسعار في السوق، وفق “محمود ح”، الذي ذكر لجريدة زيتون بأن الكيلو الواحد لا زال يباع بنحو 4 آلاف إن وجد، فيما يصل سعر لتر الزيت النباتي إلى 16 ألف ليرة.

وأضاف محمود المقيم في ريف دمشق، بأن كيلو السمنة وصل إلى 17 ألف ليرة سورية، بعدما كان يباع بسعر 10 آلاف، فيما وصل كيلو الرز إلى 7500، مشيرا إلى إقبال شديد على طلب تلك المواد مع اقتراب شهر رمضان خوفا من ارتفاع جديد.

الحرب الأوكرانية لم تؤثر على أسواق المواد الغذائية فحسب، بل امتدت لتطال البنزين والنفط والغاز، وهو ما يؤثر بالوقت ذاته على أسعار السكر والزيت وغيرها، بسبب ارتفاع كلف النقل والتخزين وما يرتبط بضرورة توفر الوقود حسب محمود.

قرارات النظام السوري التي تعلنها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مجرد وعود لا تترجم على أرض الواقع، بل يزداد الغلاء والاحتكار في السوق يوما بعد آخر، وفق محمود، الذي أكد أن التضخم وصل لأعلى مستوياته على الإطلاق مع انخفاض قيمة الليرة السورية.

ويزعم مجلس الوزراء التابع للنظام السوري تشديد الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار وضمان انسياب جميع أنواع السلع والمواد الأساسية التي تحتاجها السوق المحلية، والتعاطي بحزم مع كل من يحتكر أو يضارب على المواد الأساسية بهدف رفع أسعارها.

ويقول المجلس إنه يعمل بالتوازي على زج كل الإمكانيات المتوافرة لتعزيز الطاقة الإنتاجية لمؤسسات وزارة الصناعة خصوصا الغذائية ورفع كفاءة منتجاتها وتأمين جزء من حاجة السوق منها، إلا أن كلا مما سبق لا يطبق وفق سوريين على أرض الواقع، ويبقى مجرد شعارات لا تتجاوز السطور ووسائل الإعلام التي تعلنها.

تتشابه الأوضاع وهموم المدنيين في المناطق المحررة ومناطق سيطرة النظام، ويبقى الهاجس الأكبر لبشار الأسد والجولاني تجويع المدنيين وإشغالهم بالطوابير للحصول على أبسط حقوقهم، ثم ينتظرون من المدنيين شكرهم على تأمين جزء بسيط من مقومات الحياة، وسلة غذائية مقدمة من المنظمات الدولية وقد سرقوا نصفها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*