الدراما السورية في رمضان.. هروب من الواقع وخضوع للسلطة

لعل أبسط أهداف الفن بشك عام هو أن يكون رافعة أخلاقية وحضارية، وصورة عن واقع المجتمع وناقدا له، ومن هذا المنطق، فإن ما قدمته الدراما السورية خلال هذا العام، يمثل خيبة أمل عميقة لدى السوري، رغم عدم انتظاره لمستوى أفضل من هذا القطاع بعد سنوات المحنة السورية.

وفيما يعاني المواطن في سوريا الأمرين في سبيل الحفاظ على وجوده ككائن له احتياجاته، ضائعا بين سلطات متعددة ومتصارعة وجغرافيا مقسمة، وبين المحروقات والخبز والغاز والشتات، تقدم معظم الدراما السورية مسلسلاتها كالمعتاد من البيئة الشامية القديمة، التي لم يعد يربطها بالواقع أي رابط، فضلا عما أوجده التكرار من سأم وملل، في نفوس المشاهدين، وتبرما من ضحالة السيناريو و”مطمطة” المشاهد دون أي داع سوى توزيع الأحداث القليلة على 30 يوما في رمضان.

وبمحاولة بائسة لتكييف بعض المسلسلات لحياة الناس في هذه الأيام، توضع بعض الأحداث والتفاصيل دون أي تأثير لها على البناء الدرامي، لتزيل تهمة انفصام الدراما عن المعني الأول بها.

وتفاوتت الأعمال الدرامية ما بين التسويق للخطاب السياسي لبعض الدول كمسلسل المنصة، أو ترويج لتجارة المخدرات وانتشار لمشاهد التعري والعلاقات الغريبة عن المجتمع كمسلسل على صفيح ساخن وشارع شيكاغو.

تمكنت بعض الأعمال من الخروج عن القاعدة بحبكة وإخراج وأداء مميز، كان أبرزها مسلسل “قيد مجهول” الذي أخرجه سدير مسعود، وأدى فيه عبد المنعم عمايري وباسم خياط وإيهاب شعبان أدوار البطولة بشكل متقن.

المسلسل حاز على اهتمام السوريين، وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي إشادة كبيرة به، بلغت حد الفخر والشكر بالعمل كإشارة لعدم انهيار الدراما السورية واستمرارها، رغم ما أشار له البعض من وجود أخطاء كارثية بالعمل كجانب فني، إلا أنها لم تؤثر على ذائقة المشاهد السوري.

إضافة لتدني مستوى السياق والتوجه، زادت سطحية التناول وضعف الإخراج وبطء المشاهد الطين بلة، كسوق الحرير، وما حمله من أداء مخجل لأبطاله لا سيما سلوم حداد وبسام كوسا، ما دفع بشريحة كبيرة من المشاهدين للبحث عن حلول أخرى بديلا عن تلك الأعمال.

وبينما اختار البعض العودة إلى مشاهدة أعمال قديمة من زمن الدراما الجميل خلال السنوات السابقة، لجأ آخرون لمتابعة المسلسلات المصرية، التي أثبتت حضورها وعراقتها، كما ذهب آخرون لمتابعة منصات عالمية كنتفلكس لمن توفر لديه الإمكانية، فيما عزف البعض عن المشاهدة مكتفيا بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب.

وجاءت الأعمال المشتركة ما بين الدول العربية، لتزيد من سوء الدراما، إذ فرض الإنتاج شروطه الفنية، بإخراج رديء، أثر على أداء الممثلين، انتهى الأمر إلى أعمال مشوهة وضعيفة الإخراج والنص والأداء، وبدلا من أن يكون النجم السوري سببا في ارتقاء العمل الدرامي، نال الإخراج والنص من أدائه ليبدو غريبا لمتابعيه، كما حدث لعابد فهد في مسلسل 350 غرام،  

وتثبت الدراما السورية لهذا العام، أنها ليست في الموقع نفسه منذ عشر سنوات، بل تراجعت لتصل حافة الدمار السوري، في عقلية مكررة عاجزة عن مواكبة الواقع أو انتقاده، أو البحث الحقيقي في الأسباب والنتائج، وهو ما يجعلها منفصلة عن واقع الحال، بمسايرتها لرغبات السلطة وإقصاء المواطن المتعب من أولوياتها.

وما يثير القلق أكثر من تراجع الدراما، هو غياب النقد الفني الجاد لهذه الأعمال، وافتقاد لصوت الخبراء في هذا المجال، ليس من أجل التجريح، بل من أجل التشريح ووضع اليد على الجرح.

وليس من المستغرب أن يشهد الإنتاج الفني في سوريا هذا التراجع نظرا لما عليه الأوضاع الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار السنوات السابقة، لكن الغريب هو هذا الانحدار الذي عانت منه الأعمال العربية المشتركة التي شارك بها الممثلون السوريين في لبنان والخليج ومصر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*