رواية صديقتي المذهلة.. سر الكاتب يزاحم روعة القصة

عدنان صايغ

في تزاحم جذاب توقع رواية “صديقتي المذهلة” بقارئها ما بين روعة السرد الروائي وبين قصة الكاتبة التي بقيت مجهولة الهوية حتى الأن، فكل من يقرأ تلك الحكاية الفاتنة عن قصة صداقة طفلتين نشأتا في أحياء نابولي الفقيرة، يغمره الفضول لمعرفة كاتبتها، لكن فضوله لا يلبث أن يتفاقم حين يدرك أن اسم الكاتبة ما هو إلا اسم مستعار، ما يزيد العمل جاذبية ويمنحه احتراما.

نشرت الرواية في عام 2011 في إيطاليا وبيع منها مليون نسخة قبل أن تباع ملايين أخرى بترجمات العالم، وحاز سر كاتبتها المجهولة على حظ وافر من الصحافة العالمية، كما شهدت الأوساط الأدبية جدلا واسعا حول حق الكاتب في أن يظل مستقلا عن عمله، وحقه في حياته الخاصة، لكن الكاتبة بررت عبر ناشرها بالقول:

“«الكتب بعد أن تكتب، لا تعود بحاجة إلى مؤلفيها، والكتاب يجب أن يضم بين دفتيه كل أسباب الحياة المستقلة عن كاتبه وإلا فليس هنالك داع لنشره».

لاقت الرواية إشادة كبيرة من الوسط الأدبي العالمي، ووصفت بأنها من أجمل ما كتب في الأدب الإيطالي المعاصر، وهو ما يشعر به القارئ فور انتهائه من قراءتها، لتترك فيه مشاعر متضاربة، كاشفة له عما مر به من تلاطم المشاعر التي عاشها، بأسلوب مشوق من الصعب تجاهله.

والرواية المؤلفة من أربعة أجزاء سميت “برباعية نابولي” يحمل الجزء الأول منها عنوان صديقتي المذهلة تغرق في تفاصيل مشاعر طفلتين صديقتين لدودتين، تتلمسان الحياة بسن السادسة والسابعة من عمرهما، لتشفان من خلال علاقتهما عن النفس البشرية أمام تساؤلات الحياة العميقة، كما تكشفان صراعات المجتمع الخفية.

لكن أبرز ما تقدمه الرواية هو وضعنا أمام طفولتنا، بمحاكمة قاسية تعيد للكلمات والنظرات والمواقف قيمتها، كما تعري بقسوة هفوات المراهقة وعنفوان الشباب لتصل في تأثيرها لليوم الذي نعيش فيه.

برشاقة الحكواتي الخبير، تأخذك إلينا فيرانتي لتجلسك مع صديقتها ليلا الصديقة المذهلة، ذات الشخصية الحادة، لتبدأ منولوجها وسردها الطويل المحبب عن عائلات حيها وشخصياتها الغارقة في العنف والفاقة، وبخفة توجه الصفعات المؤلمة من خلال حوادث يومية بين طفلتين قد لا تثير انتباه الكبار.

والمذهل في الرواية هو حجم الكشف والبوح والصراحة في انتقاد الذات بشكل ذكي وعميق، ليجعل من الهفوات مواقف فخر ومن الذكريات المعيبة أخطاء بناءة في بناء الشخصية الإنسانية.

تبقى صديقتي المذهلة بما فيها من خصوصية العلاقات واستغراق في الذات، دعوة للعودة إلى الداخل، وإعادة الاعتبار للاستقلال الفردي، والترفع عن وهم الشهرة، في زمن باتت وسائل التواصل الاجتماعي تقدم ثقافة السلفي والمشاركة في أخص تفاصيل الحياة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*