زيتون
مفجعة هي سياسة الدول العربية بعبقريتها السوداء، وربما فريدة، تدهشك الدهاليز الملتوية في بلوغ أهدافها التي دائما ما تكون غير تلك المعلن عنها، لكنها الثابت والمشترك الوحيد هي أن مواطنيها آخر أولوياتها.
وربما ليس مصادفة ما يجري اليوم من عمليات التطبيع التي تجريها الدول العربية مع النظام السوري ودولة إسرائيل، وتزامن ذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي أعلن عنها بشار الأسد في 26 من هذا الشهر، وعمليات التهويد التي تجريها الدولة الإسرائيلية، ليست مصادفة لأن الخاسر الوحيد في كل هذه العمليات هي الشعوب العربية المغلوبة على أمرها.
الدول العربية التي عادت إسرائيل في الإعلام، وحولت القضية الفلسطينية لشماعة تسحق بها كل من يعارض حكمها، لم تفكر في النصر على إسرائيل يوما، ولو فكرت لما هزمت شعوبها ومواطنيها، فمن نافل القول أن المهزوم في الداخل والمهزوز أمام نفسه لا يمكنه النصر على الخارج، ولا يمكن للجائع أن يفكر إلا في قوته، وهو ما تبنته الأنظمة العربية لإلهاء مواطنيها عن قضاياه المهمة.
هذه المعاداة العلنية لإسرائيل، والتعامل معها ضمنيا أو رسميا شرط عدم الكشف عنها سابقا، هي ذات السياسة التي اتبعت مع النظام السوري في السنوات الماضية، وما بين التصريحات السياسية من الزعماء العرب، وبين ما يجري على أرض الواقع هامش واسع، لا يضيق عن حيل السياسة العربية.
ومع تفاقم الهوة ما بين الأقوال والأفعال، بات فهم ما يجري أمرا ليس بالسهل، ففي الوقت الذي تعلن فيه القوى “المعادية” ليلا ونهارا عن تمسكها بحق الشعب الفلسطيني، تستمر بسحق حقوق الشعوب العربية الأخرى، بكل ما ملكته من قوة النفط والحنكة السياسية والقمع الأمني.
الخليج العربي وعلى رأسه الإمارات، دعم قضية الشعب السوري والفلسطيني أمام الكاميرات بما يضمن اتساقها مع الرؤية الغربية، فيما مارست اتفاقياتها فيما تعاملت مع النظام السوري والإسرائيلي بما يضمن مصالح الجميع، من تطبيع العلاقات وفتح السفارات وحتى المساعدات المتخفية بالرداء الطبي.
كما تأتي المباحثات السرية ما بين النظام السوري والسعودي قبيل انتخابات الأسد، لتفرض على الشعوب العربية قواعد ألعاب السلطة، ولتصبح مسألة الانتفاض على السلطة مسألة تهدد وجود تلك الشعوب، جاعلة من مأساة السوريين عبرة لكل من يفكر في الثورة.
في الجانب الأخر، لا يبدو أن دول الممانعة والمقاومة أكثر بعدا عن هذا النهج، فإيران التي رفعت شعار شيطنة إسرائيل ووجوب إزالتها، مع ذراعها حزب الله اللبناني، لم تعكر صفو الإسرائيليين بسبب انهماكها بقمع السوريين، متحملة ذل الضربات الإسرائيلية لها في سوريا، كذلك الحال لدى كل من حزب الله وحركة حماس.
ويحق اليوم السؤال، لو كانت الثورة السورية قد انتصرت، أما كان يمكن لفلسطيني حي الشيخ جراح البقاء في منازلهم، ولو كان الثورات العربية انتصرت، ومارست رفضها الحقيقي والجدي لإسرائيل كـ “دول” أفضل للفلسطينيين من رشقات صورايخ حماس وطلقات حزب الله؟.
لن ينتصر الشعب المقهور في سوريا والمصطف على طوابير الخبز والبنزين والغاز على إسرائيل، ولن ينتصر الشعب الخليجي المتعامي عن تطبيع حكوماته مع إسرائيل والصامت عن قتل صحفييه ونشطائه، كذلك المصري الخجل من استحمار السلطة له، وسيبقى الفلسطيني مرهونا بحرية أشقائه في الدول العربية، هذه هي المعادلة التي يدركها الحكام العرب، وهي المعادلة التي يتم على أساسها دعم النظام السوري وانتخاباته اليوم، وتنامي عمليات التطبيع لتصبح أكثر علانية ووقاحة.
ما أشبه صور الدمار اليوم، ما بين المدن السورية وغزة، ذات الشبه في القضية والفاعل، وتطابق الحالة من أصدقاء مزيفين وداعمين متآمرين، فلا يحق لموال للحكومات العربية التباكي على الفلسطينيين بعد اليوم.