زيتون – ولاء عبد الكريم
في منتصف قرية صغيرة، وعلى مفترق طرق رئيسية تصل طرفي القرية وتمتد إلى الأوتوستراد الدولي “دمشق- درعا” غرباً، والأوتوستراد القديم شرقاً، وطرق فرعية تصل إلى مزارع أهالي القرية، يتوضع منزل في وسط تلك القرية الصغيرة، لا يمكن لمارٍّ في القرية من أهلها أو من الغرباء إلا أن يعرج عليه ولو لدقائق للاستدلال والسؤال والاستراحة.
بوابته الحمراء الكبيرة مفتوحة على مصراعيها ليلاً نهاراً، وكأنها تقول للمارة أهلا وسهلاً بكم في منزلكم، يتبعها نحو مترين من الإسفلت طولاً وعرضاً، يتصلان بمصطبة (صيباطة) تحيط بالمنزل كما السوار، في واجهتها الشمالية المطلة على الشارع الرئيسي مدخل المضافة العربية من اليمين، ومدخل غرفة الضيوف من اليسار، وبين الغرفتين باب أسود عريض تعلوه شرفة، وهو مدخل الصالة الرئيسية للمنزل، والتي تزيد مساحتها عن 32 متراً مربعاً، وتتربع في آخرها حصيرة بلاستيكية بسيطة وفُرش، وتتوزع أبواب الغرف على أطراف تلك الصالة.
أعوام طويلة مرت على هذه الدار وهي فاتحة أبوابها للقاصي والداني، للسهرات للحفلات للنقاشات والجلسات، تستقبل ضيوفها من كافة أنحاء سوريا، بدءاً من سواحلها وانتهاءاً بأهالي القرية والقرى المجاورة، دون أن تفرغ من أحد أفراد العائلة، التي حرصت دائماً على أن يبقى في المنزل من يستقبل ضيوفه من النساء والرجال، وحتى أطفال القرية كان لهم فيه محطة صباحية وهم في طريقهم إلى المدرسة القريبة من هذا المنزل، ومحطة أخرى في عودتهم من مدرستهم مع أبناء وأحفاد صاحب المنزل.
سيارة أجرة، حافلة نقل عام على خط دمشق، محراث مع سكك الحراثة الست والقاطرة، وسيارة (إيسوزو) لنقل خضروات المزرعة ومحاصيلها إلى سوق الهال والأسواق الأخرى، دراجة نارية ودراجات هوائية، كل ما يحتاجه الضيف أو الداخل إلى هذه القرية من وسائل نقل تجدها في باحة ذلك المنزل حسب توفرها ووقت عملها، فضلاً عن حظيرة للحيوانات لا ينقصها الأبقار ولا الأحصنة ولا الحمير ولا الدجاج والبط والأرانب وديوك الحبش التي تتجول في محيط المنزل.
كما لم ينسى أصحاب ذلك المنزل، أزهار الزنبق والقرنفل وفم السمكة والريحان أمام مدخله، ولا أشجار الفاكهة من تفاح ومشمش ودراق وإجاص على يمينه ومن خلفه، وما يضمه ذلك السور الحجريّ الأسود الذي يدعى (الحبّالة)، ذو البوابة الحمراء الكبيرة في منتصفه.أعوام طويلة مرت بعد احتراقه وهجره، وإغلاقه بعد أن كان لا يعرف الإغلاق ولا الانغلاق، وابتعاد ساكنيه في أرجاء المعمورة، وما تزال كل مساء تعود أرواح أصحابه لتحوف ذلك البيت، تتفقد زواياه ومجالسه.