زيتون – رهف رزوق
تصدر خبر انتحار الطفل السوري “وائل المسعود” وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، وأجمعت الروايات على أن الأسباب التي دفعت بالطفل إلى مثل هذا العمل الصعب هو النبذ الاجتماعي والتصرفات العنصرية ضده أو ما يعرف بالتنمر.
دفع هذا المصطلح الجديد على مجتمعنا الكثير من الناس بالسؤال عن معناه، وهل من الممكن أن يوصل طفلاً بعمر وائل إلى الانتحار؟
لا تقتصر ظاهرة التنمر على مجتمع أو عرق أو دين معين، بل هي ظاهره منتشرة وبكثرة في جميع المجتمعات وخصوصا باتجاه أطفال الأقليات أو الطبقات الاجتماعية الضعيفة.
رغم أن مصطلح”التنمر” جديد نسبيا، إلا أن المفهوم كان متواجداً تحت مسمى “السلوك العدواني” وسبب اكتسابه صفة (التنمر) بسبب تحول هذا السلوك الإنساني إلى سلوك أقرب للحيواني الذي يقوم على السيطرة والبقاء للأقوى.
يعرف موقع ويكيبيديا التنمر بأنه “كل سلوك عدواني متكرر يهدف إلى الإضرار بشخص آخر عمداً، جسدياً أو نفسياً، بهدف اكتساب السلطة على حساب شخص أخر”.
المؤسس لأبحاث التنمر النرويجي “دان ألويس” يعرف التنمر المدرسي بأنه:
ويرى ألويس أن التنمر لا يكون إلا في حالة عدم التوازن في القوة، وأن التنمر حتى يأخذ معناه يجب أن يكون متعمدا ومتكررا، مع وجود فرق بالقوة بين الطرفين سواء جسديا او نفسيا أو اجتماعيا وهذا مايميزه عن المزاح.
“سلمى” إحدى الطالبات في ريف إدلب أجابت حول سبب غيابها المتكرر عن المدرسة عند البدء بمعالجة حالتها من قبل المرشدة النفسية في المدرسة بقولها: “صديقاتي لا يحببنني ولا يلعبن معي وينادونني دائما بالبدينة”.
أنواع التنمر
ويصنف المختصون التنمر إلى “التنمر البدني” كإيذاء الشخص الأخر وضربه و”التنمر النفسي” كالقيام بأفعال غير لائقة كالوشوشة والهمز أمام الآخرين، أما “التنمر الاجتماعي” فيكون على شكل نشر أقوال وأفعال غير صحيحة وكاذبة ضد شخص ما بهدف تحقيره وإذلاله.
الطالبة “إيمان .خ” عانت من تصرفات كيدية من قبل زميلاتها في الصف وأبلغت المرشدة النفسية في المدرسة بأن زميلاتها يضعن الأقلام في حقيبتها دون علمها ليتم اتهامها بالسرقة وتمتنع الطالبات عن صداقتها.
“ناهد” إحدى الأمهات التي يعاني ابنها من تنمر بعض الأطفال، ويقومون بالتحرش اللفظي والبدني ضده، وغالبا ما يعود إلى البيت وآثار الضرب بادية عليه، وتؤكد الأم أن العبارات التي يطلقها الأطفال المتنمرون ضد طفلها هي من باب “الأبله الضعيف” و”الجبان” دفعت بابنها إلى عدم رغبته بالذهاب إلى المدرسة.
النوع الأخطر والأكثر انتشارا في الوقت الحالي هو “التنمر الإلكتروني” ويتم عن طريق تصوير الشخص أو الحصول على صور له لابتزازه لاحقاً، أو نشر معلومات مغلوطة عن الشخص المستهدف بغاية التأثير عليه نفسيا ومعنوياً.
وكشفت منظمة اليونسكو في إحصائية حديثة بأن ربع مليار طفل حول العالم يتعرضون للتنمر، كما نشرت منظمة اليونيسيف تقريراً أجري بناء على دراسات داخل المدارس جاء فيه بأن واحد من كل ثلاثة أطفال يتعرض للتنمر.
ويتجلى التنمر بشكل مركز في نطاق المدارس وتجمعات الأطفال لا سيما في مراحل التعليم الأساسي.
أسبابه
أهم أسباب التنمر ناتجة عن المنشأ الذي تربى به الطفل المتنمر، فالأسرة التي يسود فيها العنف المنزلي والصراعات تدفع بالطفل إلى تبني قناعة أن الحكم للأقوى.
كما يتميز الأطفال المتنمرون بالنقص في الجانب العاطفي، فهم في معظم الأحيان مهملون لا يجدون الاهتمام الكاف بهم أوالتواصل معهم، ما يدفعهم للبحث عن وسائل وأساليب يثبتون ذاتهم من خلالها، وقد تحدث هذه الحالات في ظروف غياب الأب والأم لفترات طويلة عن المنزل نتيجة العمل أو غيره.
تضيف التقنيات الحديثة كالتلفاز والإنترنت بما تحمله من مشاهد عنيفة أو ما يعرف بالإثارة في صناعة الأفلام أسبابا أخرى لاعتماد الطفل على ممارسة التنمر، ومحاكاته لهذا على أرض الواقع.
وبالعودة لحادثه الطفل “وائل المسعود” فمن الواضح أنه كان ضحية “صفة لاجئ” التي ترتبط بالفقر والضعف، وتجعل من الأطفال اللاجئين هدفا أكثر من غيرهم للتنمر.
تعبر إحدى الأمهات السوريات اللاجئات في منشور لها على صفحتها في فيس بوك، عن تخوفها مما يلاقيه ابنها من تنمر ورفض في مدرسته في تركيا، إذ يرفض الطلاب الجلوس بجانبه في المقعد كونه سوري الجنسية، وعلقت إحدى الأمهات على المنشور بأنها تعرضت لذات الموقف وفضلت الوقوف بجانب طفلها ودعمه حتى حصل على التقدير من قبل زملائه بعد تفوقه.
ويتسبب التنمر بعقد نفسية لدى الطفل المستهدف، كما يدفعه التنمر إلى كره المدرسة والانطواء والعزلة والخوف من الأطفال الغرباء وفقد الثقة بنفسه وقد يؤدي به إلى الإكتئاب، وإذا لم تعالج المشكلة في مرحلتها المبكرة فقد تتطور تدريجيا وربما تصل بالطفل الى الانتحار كما حدث مع الطفل وائل.
تؤكد إحدى الدراسات الإحصائية إلى أن انتشار الانتحار عند الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر أكثر بـ ٩ مرات من الأشخاص العاديين.
ونتيجة لخطورة التنمر والحد من انتشاره قامت كثير من المنظمات بإطلاق مبادرات للتوعية بمخاطره وأسبابه، منها مبادرة منظمة اليونيسيف والمجلس القومي للأمومة والطفولة التي حملت اسم “أنا ضد التنمر”، كما تم صناعة أكثر من فلم حول التنمر وكيفيه مواجهته كفيلم “نقافة” وفيلم “لا للتنمر“.
طرق التخفيف والمعالجة
وفي محاولتهم للتخفيف من حدة الظاهرة يتوجه المرشدون النفسيون والاجتماعيون بالدرجة الأولى نحو أسرة الضحية التي يقع على عاتقها العبء الأكبر في معالجة الطفل، وذلك من خلال تشجيعه على التعبير عما يمر به وما يتعرض له، وملاحظة أي تغييرات تطرأ على طفلهم كالعزلة والانطواء أو أي أثار ضرب أو تعنيف، وتقديم المساعدة لزيادة ثقة الطفل بنفسه ورفع تقديره لذاته ومساعدته للقيام بأمور ايجابية وتنمية مواهبه.
كما يقع على عاتق أسرة الطفل المتنمر مسؤولية تصويب المفاهيم الخاطئة لديه في إيصال المفهوم الحقيقي للقوة، وأن الشجاعة والمقدرة تكمن في احتواء الضعيف والقدرة على حمايته وليس التسلط عليه.
وتقع على إدارة المدرسة فتح قنوات التواصل بين الطرفين، والاستعانة بمختصين اجتماعيين في حالة ورود شكاوي من الأهالي تفيد بتنمر بعض الطلاب على أبنائهم، وإطلاق حملات توعوية لتعليم الأطفال على استنكار واستهجان هذه السلوكيات ورفضها.
ومن المؤكد أن الطفل وائل لم يكن ليقدم على الانتحار لو وجد من يحميه التنمر، لكنه ضاع في زحمة اللجوء ففضل إنهاء حياته على باب مقبرة.