أربعون يوماً.. كانت كفيلة ليصبح الطبيب مازن وجيه النجم شهيداً

في أول أيام شهر رمضان، وقبل أذان المغرب ببضع دقائق، وبينما كان يتجهز لتناول أول إفطار له، طُرق باب غرفة الأطباء المقيمين في مشفى دمشق، هرع أحد زملاء مازن ليفتح الباب ثم يعود ويقول: “مازن هناك من يريدك”، خرج مازن ليرى ماذا يريدون ولم يعد، ليصبح فيما بعد، واحداً من بين عشرات الآلاف الذين وقعوا بين أيدي الجلادين، ولن يعودوا أبداً.

كان مازن قد أمضى وقتاً طويلاً من ليلته السابقة يتحدث فيها إلى أخيه عن استعداداته وتحضيراته لرمضان في ذاك العام، وكذلك لدراسته وعمله في مشفى دمشق، وعن شهادته الجامعية التي كان قد تقدم أخوه بطلبها من جامعة حلب، وصدرت بعد أن أصبح مازن الطبيب شهيداً، وقد أصبح كل ما قاله لأخيه هباءً، ولتنتهِي حياة مازن عند هذا الحد واستشهد عن عمر يناهز الـ 26 عاماً.

كان مازن منذ صغره ممن يفضلون الدراسة على أي أمر آخر، واهتم طوال حياته بدراسته فقط، فكان قليل الأصدقاء والعلاقات الاجتماعية، يحبذ قضاء وقته بالدراسة.

وبالفعل قطف نتاج جهده، وحبه عندما نجح بتفوق في الشهادة الثانوية بمجموع 436 درجة، لتنقصه أربع درجات عن المجموع التام، ويبدأ مسيره نحو هدفه بأن يكون طبيباً. وفي عام 2011، أنهى “مازن وجيه النجم” من مواليد 1 نيسان 1987، دراسة الطب البشري العام في جامعة حلب، وقرر أن يكمل دراسته في دمشق، حيث المكان الأمثل، بنظره، لدراسة التخصص الذي يرغب به وهو “العظمية”.

وكما أراد، بدأ مازن دراسته، وبسبب تفوقه انتقل للعمل كطبيب مقيم في مشفى دمشق إلى جانب دراسته، كان محبوباً بين زملائه، إلى أن جاء اليوم الأول من رمضان. في 9 تموز عام 2013، حين قدم عناصر من الأمن إلى المشفى حيث يقيم الطبيب مازن، قبل أذان المغرب بنحو 5 دقائق ليصحبوه معهم دون أن يعيدوه.
يقول أخو الشهيد “مازن وجيه النجم”: “كان مازن قد طلب مني استخراج بعض الأوراق له من الجامعة، ومن بينها شهادة تخرجه التي لم يرها، وقبل أن يبدأ شهر رمضان ذهبت إلى هناك وتقدمت بطلب الأوراق، وقررت أن أبقى تلك الليلة في حلب والعودة إلى مدينتنا خان شيخون صباح اليوم التالي”، مضيفاً: “خلال الليل أجرينا مكالمة هاتفية مطولة، تحدثنا فيها عن أول أيام شهر رمضان، وعن الأجواء الرمضانية، بينما أخبرته أنا عن رحلة المعابر من مناطق النظام إلى المناطق المحررة التي لم يشهدها بسبب استقراره في دمشق، وهكذا كان آخر حديث لي معه”.

شحب وجه أخي الشهيد مازن، وبدا عليه التوتر وهو يفرك يديه، محاولاً إخفاء مشاعره، ثم تابع: “في اليوم التالي، اتصل أحد زملاء مازن الذين كانوا معه في المشفى وأبلغني باعتقاله من قبل فرع المنطقة بتهمة معالجة جرحى الإرهابيين، كانت صدمةً كبيرةً بالنسبة لي، تساؤلات كثيرة باتت تجول في خاطري دون أن أجد لها جواباً، سوى أن آلة الإجرام الأسدي لم تعد تميز بين أحد، وباتت تعد كل مواطن سوري عدواً لها”.

“كيف يداوي جرحى الإرهابيين، وهو يقيم في مشفى بإقامة داخلية ولا يستطيع الخروج، كيف وهو في وسط المربع الأمني في دمشق؟، قال الأخ ومشاعر الغضب تملؤه، مضيفاً: “علمنا لاحقاً أن هناك تقريراً كيدياً لا صحة له، مفاده أن *مازن* يداوي جرحى الإرهابيين، وبدأت فوراً العمل على تخليصه، والسعي لإطلاق سراحه، عن طريق تعيين محام له هناك، وحاول أصدقاؤه الأطباء مساعدته، ولكن!”.

صمت أخو الشهيد “مازن النجم” وهو ينظر إلى صورة أخيه، وإلى شهادته الجامعية اللتين قام بتكبيرهما، وحفظهما ضمن إطار، وعلقهما على حائط الغرفة، وكأنه يريد أن يقول الصورة وحدها تتكلم.

“لم يستطع مازن الصمود بين أيدي الظلمة طويلاً، ففي 19 آب عام 2013، أبلغونا أن مازن استشهد، نعم إنها أربعون يوماً بين أيدي الظلمة كفيلة بأن تخرج أرواح الأبرياء من الأجساد المعذبة المشققة، حتى ولو كان أصحاب تلك الأجساد أقوياء البنية مثل مازن”.

كان والد الشهيد “مازن النجم” قد توفي قبل بداية الثورة بأقل من عام، أما والدته فلم يستطع أخو الشهيد إبلاغها بخبر اعتقاله بداية الأمر، لكن غياب مازن، وانقطاع اتصالاته، أجبر أخاه على إخبارها بأنه موقوف مؤقتاً بمشكلة بسيطة وسرعان ما سيخرج، إلا أن نبأ استشهاده كان أسرع بكثير، ولم يكن قد مضى وقت طويل على علمها باعتقاله مؤقتاً، لتتفاجأ باستشهاده، وليتبعه على الفور أخو مازن الثاني وابنه اللذان استشهدا جراء غارة جوية استهدفت منزلهما، لتتلقَى أم الشهيد مازن ثلاث صدماتٍ متتالية، وتخسر خلال مدة قصيرة ولدين من أولادها بالإضافة لحفيدها، فما عسى هذه الأرواح السورية أن تحتمل، وما الذي سيداوي قلوبها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*