إدلب ونار النزوح

زيتون – ياسمين محمد

في انكسار لإرادة الشعوب وغلبة للقوة يتقدم النظام السوري باتجاه مدن وبلدات إدلب وأهلها الرافضون لحكمه، وبينما تستعرض روسيا قوتها الجوية وقدراتها التدميرية عبر صواريخها التي تحتاج لتجربتها يفر مئات الألوف باتجاه المناطق الأكثر أمنا والقريبة من الحدود التركية السورية.

وفيما تشير أخر الإحصاءات إلى ما يفوق 250 ألفا من النازحين من في المناطق التي تتعرض للقصف والتي باتت قريبة من الجبهات كمعرة النعمان وريفها وكفرنبل وحاس معصران ومعردبسة وسراقب وريفها الشرقي، ما يزال هناك شريحة واسعة ممن يفتقرون لإمكانيات النزوح.

ومن نافل القول إن المدنيين المتبقين في تلك المناطق قد اختاروا البقاء تمسكا بأرضهم فلا معنى للبقاء أمام حياة الأطفال، لكن ضعف الحال الذي عم الناس بعد تسع سنوات من الحرب لم تترك لدى الكثيرين قدرة أن يغادروا منازلهم ليرتبوا حياة أخرى ولو في خيمة.

وتقدم الصور الواردة من المخيمات والمدن في التي يؤمها النازحون مدى اكتظاظ تلك المدن بالنازحين، وفيما يستقر البعض في منازل قابلة للسكن يحاول البعض الأخر أن يرمم منازلا أخرى لم تكتمل، ليس لها أبواب أو نوافذ وما تزال في طور البناء الأول، راضين بجدران وسقف معولين على خرق لسد تلك الفتحات درءا للبرد والضياع.

في الخيام تقبع الشريحة الأضعف والتي تتعرض لمعاناة الحياة اليومية والظروف المناخية بشكل أقسى، وبينما تقدم جدران المنازل رغم سوئها حالة من الخصوصية وتساعد في التمام العائلة تبقى الخيمة بجدرانها القماشية تاركة العائلات في حالة من العيش الجماعي وفقدان الشعور بالأمان، لا سيما وأن الخدمات والمرافق الصحية عادة ما تكون مشتركة.

وتقدم مقولة أحد النازحين في الخيام صورة حقيقية عما يكابده نازحي المخيمات: “لم أكن أتخيل أن المخيمات ستكون أخر مطافنا رغم توقع النزوح، الحياة مختلفة عما تعودنا عليه، لا يمكن وصف صعوبة تفاصيل الحياة، والخيمة لا يمكن أن تكون بديلا عن البيت ولا بأي شكل”.

شريحة أخرى ما تزال في برزخ ترحيل متاعهم إلى جهة أبعد، تسمح لهم بنقلها مرة أخرى ريثما يجدون مأوى لهم، معتمدين على معارفهم لوضع أماناتهم بشكل مؤقت، وهذا الإجراء في نقل مقتنياتهم يأتي بعد يقينهم أن لا عودة لهم إن تمكن النظام السوري من دخول بلداتهم، ولهم في تعفيش بيوت المناطق التي دخلها سابقا عبرة.

تتفاقم أجور النقل وإيجارات المنازل بشكل مرعب ليتخلى الكثيرون عن فكرة النزوح والبقاء في بيوتهم وهي الشريحة الأكثر ضعفا فاقة، وفيما تصل إيجارات المنازل في كل من مدن الباب وسلقين وجرابلس واعزاز وغيرها إلى معدل 100 دولار شهريا مع شرط دفع إيجار لمدة ستة شهور أو ثلاثة كحد أدنى في معظم الأحوال، تتراوح أيجارات نقل البضائع وحاجيات النازحين ما بين 100 و200 دولار.

وفرضت الضرورة أن تعيش عدة عائلات عادة ما تكون مقربة من بعضها البعض في ذات المنزل في النزوح، وهو ما يخفف الضغط المادي والمصروفات ويعطي شعورا بالأمان والتآلف، لكن من جهة أخرى فإن الازدحام والفوضى التي يشيعها التعايش الطارئ يسبب ضيقا شديدا لدى النازحين ما يتسبب في الكثير من المشاكل الإجتماعية.

لا شيء في النزوح جيد، ويبقى النازحون في حالة انتظار آملين عودتهم إلى منازلهم في أسرع وقت، لكن المخاوف تزداد مع مرور الأيام التي طالما رسخت سكن النازحين في نزوحهم وهو ما يخافه الأهالي في إدلب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*