ابني وابن أخي في لحظة واحدة.. الشهيد محمد سعيد الجمعة

“ولدي من مواليد عام 1994، التحق بالجامعة في عام 2012، كان يدرس في كلية التربية بدمشق”، للوهلة الأولى قد تبدو هذه الكلمات عادية، لكنها عندما تكون من أب مكلوم بولده، فهي تختزن الكثير، بينما يأبى صوت بكاء الأم إلا أن يعلن، مترافقاً بصرخاتِ قلبها الملوّع، “آخ.. آخ..”.

“كم كان يحب الشام ويحب الدراسة، ويعشق الرياضة، كان يلعب كرة القدم في أحد النوادي الرياضية.. يا روحي يا محمد”، قالتها أم محمد وصمتت.

“كان يتميز بطوله، البالغ نحو مترين، عندما كان في المدرسة، طلبوه لينضم إلى منتخب سورية الدولي لكرة السلة، ورغم معرفتي بحبه للرياضة، إلا أنني رفضت ذلك، وطلبت منه الاهتمام بدراسته، ولاحقاً اختار كرة القدم، لقد كان هادئاً متّزناً، أبيض الوجه، لا تفارقه الابتسامة” قالها والد محمد، ثم أضاف: “منذ استشهاده وحتى اليوم، لم نعرف طعم الحياة، ففي كل لحظة نحيا غصة فراقه، وننظر بحرقة إلى خزانته وأشيائه وصوره”.

قالت الأم، وهي تواصل نحيبها: “لا أقوى على النظر إلى صورته، وكلما شاهدتها أشعر بالنيران تحرق قلبي، وأعياني المرض، لم يعد للحياة معنى بعد غيابه”.

اعتقل “محمد سعيد الجمعة” في خريف عام 2013، قرب كلية التربية بدمشق، بعد خروجه من قلب مظاهرة مع ابن عمه الذي كان قادماً من بلدتهما الغدفة لزيارته.

اعتقلت قوات النظام محمد وابن عمه اللذين شاركا معاً في المظاهرة، ليتشاركا لاحقاً المصير، وهما الطالبان الجامعيان اللذان اعتادا  الخروج كل  بمفرده في مظاهرات جامعته، وتشاء الأقدار أن يعتقلا في أول مظاهرةٍ ترافقا فيها.

إحدى زميلات محمد في الجامعة، أبلغت عائلته باعتقاله مع ابن عمه، فكانت الكارثة بالنسبة للعائلة، ونظراً لاعتقال الشابين في دمشق، وإقامة عائلة محمد هناك، فقد تولى والد محمد مهمة البحث عن ابنه وابن أخيه، ولينتهي به المطاف في منتصف تشرين الثاني عام 2014 مع بطاقتين شخصيتين وشهادة وفاة لم يكن يتمنى أن يراها في حياته.

يقول “سعيد الجمعة” والد الشهيد محمد: “راجعت العديد من الأفرع الأمنية للسؤال عن ابني محمد وابن أخي.. في فرع الشرطة العسكرية أعطوني ورقة لمراجعة مشفى المجتهد، وبعد البحث في سجلات المشفى، فوجئت باسم ابني وابن أخي، وقد استشهدا بعد اعتقالهما بأربعة أشهر، لم أعرف ما الشعور الذي انتابني حينها، وعلى من أحزن، إنهما ابني وابن أخي”.

صمت والد الشهيد محمد، وكأنه يعيش تلك المشاعر هذه اللحظات لأول مرة، ليعود ويواصل حديثه: “كانت زوجة أخي عندي في دمشق، وقد جاءت تريد التوصل لخبر يبرد نار قلبها، وكانت تنتظرني في المنزل علّني أحمل لها ذلك الخبر الذي تريده، ولكن ماذا عساي أن أفعل، وبماذا أخبرها، وهي التي تتأمل غير ما وصلت إليه”.

بدا والد محمد كمن يحدث نفسه، ويستعيد حيرته تلك، وتوتره في ذلك اليوم، ليستطرد قائلاً: “عدت إلى المنزل، وحاولت ألا أظهر لزوجتي وزوجة أخي أيَّ شيء، وتذرعت بخيبة أملي لعدم توصلي لنتيجة، ثم ذهبت إلى باب مصلى، وأحضرت شهادة وفاة لابني، ومن ثم توجهت برفقة العائلة إلى الغدفة، وبعد وصولي أخبرت الجميع بنبأ استشهاد محمد وابن أخي بسيم، وسلمت هويته لأهله، وأقمنا عزاء لهما، كانت أياماً عصيبة، أتمنى ألا تمر على أحد”.

أجهش والد الشهيد “محمد سعيد الجمعة” بالبكاء وهو يردد: “لقد حرقوا قلبي.. ابني وابن أخي في اللحظة نفسها”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*