اعتُقل أمام موظفي الأمم المتحدة.. الشهيد محمود أحمد حزاريني

إن كان ملايين السوريين قد قتلوا على مرأى وأسماع العالم كله، وأولهم دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان المزعومين، والمنظمات الدولية التي لطالما ادعت مناصرتها للمظلومين فلم يخرج عنها سوى أرقام لقرارات على الورق، فليس من الغريب أن يعتقل شخص أو عشرات الأشخاص أمام موظفي تلك المنظمات.

أجبره الجوع والحصار على مدى 25 شهراً، أن يتجه لاستلام سلة إغاثية قد تسدّ رمق عائلته لبضعة أيام، وذلك بعد سقوط أكثر من 200 شهيداً بسبب الجوع والحصار في مخيم اليرموك، حيث كان يقطن ابن قرية حزارين منذ عشرات السنوات.

بينما كان “محمود أحمد حزاريني” في ساحة الريجة وسط مخيم اليرموك في تموز عام 2015، ينتظر أن يحصل على سلة إغاثية من الأمم المتحدة، قامت قوات النظام باعتقاله، ومن المعروف أن معتقلي جنوب دمشق يتم تحويلهم إلى فرع الأمن الموجود على المتحلق الجنوبي، والمعروف باسم “فرع فلسطين”، الذائع صيته حتى قبل بداية الثورة السورية بسنوات طويلة، وكان اسمه كافياً ليدبّ الرعب في نفس كل من يسمعه.

لم تتأكد عائلة “محمود” في البداية من مكان وجوده، وذلك لأن جميع أفرادها مطلوبون للنظام بسبب انخراطهم في الثورة منذ بدايتها، ومن بينهم رب الأسرة “محمود”، وهو ما منعهم من السؤال، وحدَّ من قدرتهم على التحرك، كما حال لاحقاً دون حصولهم على جثة والدهم محمود، حتى بعد أن عرفوا أن جثته في براد مشفى دمشق (المجتهد). 

على الرغم من أن الشهيد “محمود أحمد حزاريني”، المولود في عام 1956، كان يتمتع بجسد قوي لا يوحي بكبر سنه، إلا أن إجرام النظام أكبر من أن تحتمله قوة جسد ولا لياقة الشباب، ما زاد من جرم محمود أمام الجلاد، وبالتالي قسوته وسوء معاملته أكثر، هو أن الشهيد كان مساعداً أول في الجيش السوري، وتقاعد عام 2000.

لم يكن الوقت في صالح “محمود” وعائلته، إذ سرعان ما وصلهم نبأ استشهاده، ولكن هذه المرة ليس قيلاً عن قال، ولا عبر شهادة وفاة أو كلمة “مات” من الشرطة العسكرية، كان أحد أقرباء “محمود” في المشفى يبحث في براداتها عن جثة لمتوفى يخصه للتأكد منها قبل استلامها، وبسبب الكنية كانت جثة الشهيد محمود أقرب إليه، فكانت صدمته برؤية جثة شهيدٍ من أقربائه بالإضافة للمتوفي الذي جاء لاستلام جثته.

كان ذلك بعد شهر ونصف من اعتقال محمود، أي في أيلول عام 2015، ولكن لا يمكن لقريبه أن يستلم جثته، ولا حتى أن يفصح عن معرفته ودرجة قرابته، فغادر وأبلغ عائلة الشهيد، التي لم تستطع أن تحرك ساكناً، أو تطالب بحثته نظراً لوضعها، وبعد الحادثة بنحو شهر ونصف، أي مرور 3 أشهر على اعتقال محمود جاء تأكيد الخبر مرةً أخرى من قبل معتقل أُفرج عنه وتواصل مع عائلة محمود ليبلغها باستشهاده في السجن تحت التعذيب قبل مدة.

بوجه شاحب وعينين تفيضان دمعاً، يقول ابن أخت الشهيد محمود: “كان خالي طيب القلب، محبوباً من الجميع، وكان يقيم في دمشق، ومع بداية الثورة شارك فيها مع كل أولاده، ودفعوا ضريبة مشاركتهم غالية، فخالي استشهد في السجن، وابنه البالغ من العمر 19 عاماً استشهد برصاصة قناص عند مفرق حجيرة في بداية الثورة، ثم استشهد اثنان من أولاده في درعا، ولم يبق من أولاده سوى ابن منهم هاجر إلى خارج سورية، أما زوجة خالي فلم تحتمل كل هذه المصائب التي حلت بأسرتها فأصيبت بأزمة قلبية وماتت”.

كان يتحدث وهو يقلب علاقة مفاتيحٍ بيديه، يحاول أن يخفي بصوت تلك المعادن غصة واضحة على صوته، وهو يستعيد ذكريات خال ودود كان يراه في زيارات متباعدة للعائلة، ليختم بالقول:

“لقد عاني خالي من الذل والحصار في مخيم اليرموك، وكان هو وعائلته يأكلون الحشائش، وهذا ما أجبره على الذهاب للحصول على المعونات، لأنه لم يعد يحتمل جوع أفراد عائلته، وأراد تقديم الطعام لهم، ولم يكن يتخيل أن تصل به الحال إلى هذا المستوى أو أن يتعرض للاعتقال أمام منظمة الأمم المتحدة”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*