الأسر السورية في أوروبا بين الحرية وقيود الوطن البعيد

الاسر السورية 1

زيتون – وئام أحمد 

يظنّ الكثير ممن لم تسمح له الفرصة باللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي أن نظراءه الذين تمكنوا من تحقيق حلمهم في العيش في دول – يُقال إنها تحترم حقوق الإنسان وتعطيه كل ما يستحق – يعيشون في جنة الأرض، ولكن هذه الكذبة الكبيرة – بحسب كثير من اللاجئين السوريين – في أوروبا تخفي وراءها الكثير من المصائب. 

أحمد شاب سوري 41 عاماً تمكن من الوصول إلى أوروبا هو وعائلته المكونة من زوجته وأطفاله الأربعة، يتمنى أنه لو لم يغادر تركيا، بل أكثر من ذلك يفضل أحمد العودة إلى العيش تحت رحمة البراميل المتفجرة على العيش في أوروبا بعد إحساسه بالعجز والغدر والضعف، إذ تخلت عنه زوجته وأخذت أطفالها وتركته وحيداً.
يقول أحمد: صحيح أنني كنت أعيش مع عائلتي تحت القصف، لكننا كنا أسرة واحدة وكان يسود بيتنا الودّ والألفة والتراحم، كانت زوجتي حينها كالملاك، تمسح عني همومي وتحضر الطعام لي وتخفف من أوجاعي.
ويتابع أحمد: هذه هي عاداتنا وأخلاقنا، ولكن وبعدما قررت وزوجتي أن نركب البحر منطلقين من إزمير التركية قبل ثلاثة أعوام انقلب كل شيء رأساً على عقب، فبعد وصولنا إلى ألمانيا وبعد أن تم منحنا اللجوء والإقامة أصبح لزوجتي ولأطفالي مرتباً شهرياً خاصاً بهم، وبعد أن أجبرونا على متابعة دروس اللغة الألمانية، وضعوا زوجتي في قاعة دراسية أخرى غير القاعة التي أدرس أنا بها، ثم بدؤوا فيما بعد بتعريف المرأة بحقوقها وأن لها حقوقاً أكثر من حقوق الزوج، لدرجة شعرت فيها أنهم يحرضون زوجاتنا علينا.
ويضيف: لم يكن هذا الأمر مع زوجتي فقط بل مع أولادي الذين كانوا يذهبون إلى المدرسة يومياً حيث شعرت بتغيّر سلوكهم اتجاهي فجأة، وعلمت فيما بعد أن معلمتهم أعطتهم أرقاماً هاتفية ليتصلوا بها في حال تعرضوا للتعنيف الكلامي، أو الجسدي من قبلي، ولكن بعد فوات الأوان، حتى زوجتي أصبح سلوكها غريباً، وعندما كنت أطلب منها أن تحضّر لنا طعام العشاء كانت تقول لي يجب عليك أن تساعدني، ومع مرور الوقت أصبحت تقول لي قم أنت بتحضير الطعام.
لحظة التفكك
أصبح أحمد يشعر بضيق كبير من التغيرات التي طرأت على أسرته، وحاول أن يستخدم لغة العقل ليقنع زوجته أن عادتهم تختلف عن عادات الغرب، وأنه يجب على الأسرة السورية أن تحافظ على عاداتها وتقاليدها ولكن دون جدوى، بل وصل الأمر بزوجته إلى لحظة قالت له فيها: «تباً لهذه العادات ألم تفهم إلى الآن وبعد عيشنا هنا في أوروبا أننا نحن العرب والمسلمين متخلفين».
يتابع أحمد: أصبت بحالة من الذهول حين كان رد زوجتي على هذه الشاكلة، ولكن الذي جعلني أفقد صوابي هو أن ابنتي ذات الأعوام العشرة وقفت إلى جانب زوجتي وقالت: يكفينا تخلف يا بابا وعندما قلت لها يا بنتي نحن مسلمون ولنا ديننا وعاداتنا، تطاولت طفلتي على الدين أيضاً، وهذا ما جعلني أفقد صوابي، فما كان مني إلا أن وبختها ونهرتها، فبدأت بالصراخ والتطاول عليّ أيضاً، وعلى الفور قامت زوجتي بطلب الشرطة.
ويضيف أحمد: وصلت الشرطة بعد دقائق قليلة، وقاموا بأخذنا للتحقيق وقامت زوجتي وابنتي هناك بالادعاء عليّ بأنني أقوم بتعنيفهم وقمع حريتهم الشخصية والاعتداء على أبسط حقوقهم الإنسانية، فقامت الشرطة بنقل زوجتي وجميع أطفالي إلى بيت يبعد عني أكثر من 4 ساعات، ولا يحق لي أن أتعرض لهم أو أراهم بعد اليوم إلا برفقة الشرطة.
ويختم أحمد: ينتابني شعور في كل لحظة بعدم تصديق ما جرى معي، ووصلت لقناعة تامة أنني ارتكبت خطأ جسيماً عندما جئت إلى هنا، لقد خسرت زوجتي وأطفالي وأنا وحيد الآن، فأهلي ما يزالون في سوريا وأخوتي في تركيا، فكرت كثيراً بالانتحار، ولكن الوازع الديني هو الذي كان يردعني، نعم لقد خسرت عائلتي وأهلي ووطني، لقد خسرت كل شيء.

قالت المنظمة الدولية للهجرة إن 2900 مهاجراً لقوا حتفهم لدى محاولتهم الوصول إلى شواطئ أوروبا عبر مياه المتوسط خلال النصف الأول من العام الجاري. وذكر المتحدث باسم المنظمة جويل مليمان إن عدد الغرقى تضاعف تقريبا مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي عندما لقي 1838 مهاجرا مصرعهم أو أعلنوا كمفقودين مقابل 742 قتيلا أحصتهم المنظمة الدولية خلال الفترة نفسها من العام الفائت.

أسباب التفكك الأسري
ليست حالة أحمد هي الوحيدة فهناك مئات الحالات من التفكك الأسري الذي استشرى في صفوف العائلات السورية في بلاد اللجوء الأوربي بشكل عام فهل السبب هو تغير البيئة المحيطة وبالتالي تغير القوانين والعادات، أم أن هناك أسباب أخرى؟
يقول الاختصاصي النفسي يمان زيدان: لا يرتبط الأمر بأن المرأة السورية أصبحت تأخذ راتباً شهرياً فقط، فمعظم النساء السوريات هن من المتعلمات والمدرسات والموظفات سابقاً في سوريا وكان لهن راتب شهري وكن يساعدن أزواجهن مالياً أمام صعوبات الحياة، وكنّ يعطين الراتب كاملاً للزوج ليتصرف هو به بما يخدم المؤسسة الزوجية، ولكن طبيعة المجتمع الجديد وفهمه للمرأة أثر على عقلية المرأة السورية التي تقيم في أوروبا حالياً.
ويتابع: ومن هنا أصبحت المرأة تطالب باستقلالها مادياً ومعنوياً بل وحتى نفسياً وفي بعض الأحيان تضخم لديها شعور الاستقلالية المطلقة لحد التفرد في التسلط على المؤسسة الزوجية لتصبح هي الآمر الناهي، بسبب تشجيع القوانين الأوروبية على استقلالية المرأة وتفرد قرارها، أمر أدى إلى الصدام مع الزوج الذي لم يتربَ على هذه القيم الدخيلة بالنسبة إليه.
ويضيف: أيضاً هناك عامل هام جداً وهو غياب الرادع المجتمعي الذي كان في سوريا، والذي يستنكر ويستهجن خروج المرأة عن طاعة زوجها، بل إن الذي حدث في أوروبا على العكس تماماً، وأنا أعتبره نوع من التحريض، وخصوصاً في ظل غياب معرفة كثير من الأزواج لواجباتهم وحقوقهم.
ويختم المختص الاجتماعي: نعم إن الأسرة السورية في الخارج مهددة بالتفكك، ولعل أهم عامل من عوامل التفكك هو عامل التدخل الخارجي في شؤون الأسرة، وهذا ما يحصل من قبل السلطات في أوروبا بحجة حقوق المرأة وحقوق الأسرة، وينبغي على هذه الدول أن تحترم عادات وتقاليد كل أسرة لاجئة لأنها تحمل ثقافة مجتمع مختلف كلياً عن ثقافة الغرب.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*