الجانب الآخر لكورونا

الأماكن السياحية في العالم خالية من السياح

زيتون – ياسمين محمد
في مقابل ما تركه وباء كورونا من مصائب عميقة على مستوى البشرية من خسارة مئتي ألف إنسان، وبداية لأزمة اقتصاد عالمية على وشك الوقوع، يحدث أن يعود الناس إلى مربعهم الأول ضمن الأسرة، لينظموا حياتهم على أساس الحجر، بما يفرضه من تواجد دائم يفرض تعارفا جديدا بين أفراد الأسرة الواحدة، رغم ما كانوا يظنوه بثقة بأنهم على معرفة وثيقة.

كما توسع أوقات الفراغ من حاجة الجميع لمد دوائر الاهتمام الاجتماعية، مستعينين بوسائل التواصل الاجتماعي في إنشاء أحاديث مشتركة ما كانت لتحدث لولا كورونا، وما يتبع تلك الدردشات من تنامي الود والتماسك، وكأنها عودة إلى زمن ما قبل حداثة التطور التقني، والارتداد إلى زمن كانت فيه المنازل مؤلفة من غرفة أو غرفتين تضم ضيوفا وأقرباء في سهرات سمر افتقدها معظم السوريين الذين يعيشون الشتات الأن.

عاد الأب ليمنح أطفاله الوقت اللازم، وانتبه الأخوة إلى ما فاتهم من حياة أخوتهم، ليكتشفوا أن لديهم أولاد جدد لم يكونوا يعرفونهم، لمست البشرية في كورونا حجم الفراغ الهائل في إنسانيتها.

وفعل الوباء ما عجز عنه مجلس الأمن والأمم المتحدة وقوى العالم، فحرمت القتال، وأوقفت الاعتداءات، وفرضت هدنة عالمية على الأفرقاء في كل الأرض، معيدة الأولوية لحياة الإنسان، ومقصية المصالح السياسية بشكل كبير لصالح الشعوب.

وكشفت كورونا قدرة الحكومات، وجدوى القوة العسكرية، وأجهزة الأمن في العالم، معرية زيف حضارة الدول المتقدمة العاجزة والمتصارعة بكل ما كانت تدعيه من جبروت على شحنة من الكمامات، في قرصنة الحمولات وبلطجية هي أقرب للعصابات من دول.

تراجع دور الجندي أمام صورة الممرض أو المسعف والطبيب، والكورونا بهذا تصوب ما اختل عبر الزمن من قيمة الدور، وأرجعت للعمل قيمته الإنسانية، ووقف الناس على شرفاتهم يحيون بأكثر من مدينة في العالم بعرفان جميل الكوادر الطبية.

الطرق السريعة في العالم خالية من السيارات

في جانب آخر عالي الوضوح، خلت كبريات المدن من السيارات، وتوقفت المعامل والمصانع، ما هبط بأسعار النفط العالمية إلى الحضيض، وباتت ناقلات النفط تائهة في المحيطات تبحث عن مشتر، ما خفض من انبعاثات الكربون في العالم، وكشفت بعض الصور مدى الاختلاف الذي شهدته أجواء مدن كانت في غاية التلوث لتغدو أكثر نقاء، وانخفض مستوى تلوث مدينة نيويورك إلى 50% مقارنة بنفس الفترة من العام الفائت.

الضباب الدخاني في بكين قبل كورونا

كما شهدت الصين انخفاض مستوى التلوث إلى 25% بعد أن توقفت حركة السير واستهلاك الوقود، وتراجع استهلاك الفحم بنسبة 40 في المئة في ست من أكبر محطات الطاقة في الصين منذ الربع الأخير من عام 2019. وتحسنت جودة الهواء في 337 مدينة حول العالم بنسبة 11.4 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي بحسب تقرير للبي بي سي.

صور فضائية لبكين تظهر انخفاض نسبة التلوث بعد كورونا

ومن المفارقات أن مؤتمرا أمميا كان مقررا لمناقشة التغيرات المناخية في غلاسكو في اسكتلندا قد تأجل بسبب تفشي الوباء .

نبهت كورنا كذلك إلى حجم الانفاق على الوقود والاسراف بكميات الطعام، وذلك بعد ما فرضه الحجر المنزلي من محدودية التسوق، وكشفه لتكاليف التنقل والسفر غير الضروري.

كل هذا وربما أكثر سيظهر مع الأيام من فوائد كورونا ووجهها الأخر الأبيض، ولعل هذا الوباء قد يكون فرصة البشرية في وقفة أمام نفسها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*