السوريون بعيد الأم: كان يمكن للأمهات أن يكن أكثر أمنا لو أن هذا النظام لم يكن

أسامة عيسى

في زمن الحرب المجنونة، لا شيء يوازي الألم والفقدان لكل غالي، فكيف إذا كان الأم، ومن أغلى منها وجنة الله تحت قدميها، لكنه عيد آخر لـ”ست الحبايب” عند السوريين، يمر من جديد عليهم، قسم كبير منهم بعيد عن أمهاتهم، فيما آخرون ودعوا الغالية إلى غير رجعة، ومضى قسم آخر منهم داخل البلاد وخارجها لمعايدتها في عيدها المصادف اليوم.

في مناطق سيطرة النظام، كما مناطق الخارجة عنها، يمر العيد قاتما، يخيم عليه سوء الأوضاع المعيشية، وارتفاع الأسعار، وجنون كل شيء، ليخلف العيد حسرة كبيرة لدى السوريين، ممن خسروا أمهم، ومن النازحين في الوطن ولاجئين منه إلى دول الجوار وغيرهم ممن في شتات الأرض.

تكتظ خطوط الاتصال اليوم بين السوريين في محاولتهم للتواصل مع أمهاتهم أو ذويهم، في واقع مرير، يتقاسمه العجر، والبعد، والفاقة، مع تلاشي الأمل بخلاص قريب.

ففي إدلب، تغيرت الحياة، لتصبح أصغر الحاجات أحلاما صعبة المنال، فالأسعار انفصلت عن واقع البطالة والفقر، لتغدو الهدايا البسيطة قهرا للأبناء المعدمين.

كان يمكن أن يغمر الفرح قلوب الكثير من الأمهات السوريات، لو أن يدا تمكنت من إخراج المعتقلين، لو أن المجتمع الدولي أثبت أنه أهل للإنسانية ولو لمرة واحدة، كان يمكن أن تغمض الكثير من الأمهات أعينهن براحة أكبر وهم يفارقون الحياة، لو علمن أن أطفالهن وأسرهن لم يشردوا في الخيام والمنافي، كان يمكن لهن أن يكن أكثر أمنا لو أن هذا النظام لم يكن.

في المقابل، شتات مجنون يعيشه لاجئوا أوروبا من السوريين الذين بلغت أعدادهم مئات الآلاف، غالبيتهم أناس تقطعت بهم السبل في دول القارة العجوز، قسم قليل كانت أمهم بقربهم، لكن الغالبية الساحقة عايدوا الأم عن بعد عن طريق “الواتس آب”، عبر مواقع التواصل التي غصت بالمنشورات والتغريدات التي تحكي ما في نفوس أصحابها من ألم وحنين.

ومن ألمانيا، البلد الأوروبي الأكثر استيعاباً للسوريين، يقول عزيز الأحمد، وهو طفل قاصر من درعا عمره 14 عاماً، أن أمه “المشلولة” بقيت في حوران، ويؤكد أنه عايدها صباح اليوم، لكن فقط لخمس دقائق، يغص وهو يسرد مخاوفه من أنه يخشى ألا يراها بعد الآن.

وبين غصّة العيد التي تمس أقدس المخلوقات للبشر، وبين غصة الحياة القاسية التي باتت تطبق على صدورهم، لا زال السوريون يرددون عبارات الصبر والثبات والدعاء بالفرج، متمنين من الله الخلاص.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*