سيران سوري

زيتون – سحر الأحمد
دمشق
أبو أحمد: حضرت اللحمات والمنقل والفحم والسياخ ونظفت البلكون، أنت والأولاد جاهزين؟
أم أحمد: يلا يلا جاهزين، بس ما قلتلي وين رح يكون السيران هاد الأسبوع ؟ بالغوطة أو بحيرة زرزر أو طريق المطار؟
باريس
حاالة تأفف وتذمر من جميع أفراد الأسرة.
لك ابني من مبارح هلكنا أنا وأمك لقدرنا نجّمع مستلزمات الشوي، بهالبلاد كل غرض من مكان! لهلأ ما عرفت وين مسموح نشوي؟
وفي انتظار رد الشاب المرتبك والمغموس حتى آخر شعرة برأسه بشاشة الموبايل، والهياج الغير معلن من باقي أفراد الأسرة تقترب من الأب صوراً مبعثرة واضحة التفاصيل غير ضبابية، يتناولها صورة صورة ويبتعد بها.
أربع سنين انقضت على لجوئه مع زوجته وأولاده الثلاثة، إذ شاء القدر أن حصل أكبر أولاده على منحة دراسية بإحدى دول أوروبا، بينما حظيت الأم والأب في الوقت ذاته على موافقة اللجوء إلى فرنسا بعد نزوح في مناطق دمشق وضواحيها دام سنتين، أُعلن بعدها قطع حبل سرة العائلة باحتضان أمواج المتوسط لأيمن ووسيم هرباً من جحيم البلاد لتستعر العائلة بنار التشرد، كل في دولة.
يرجع الوالد سريعاً من شريط الذكريات يهزه صوت ابنه: بابا بابا عثرت على مكان من خلال النت بيبعد بالسيارة 15 كيلو متر مسموح فيه الشوي.

في الجهة المقابلة للكرة الأرضية
يتهالك أبو أحمد على الأريكة بعد سؤال أم أحمد العفوي والبسيط وتتبدل ملامحه ويبدو عليه الاختناق: 
بحيرة زرزر احتُلّت، طريق المطار أصبح طريق الجحيم.
أما الغوطة نعم، أذكر بالأمس القريب أنه كان هنالك بساتين وارفة من أشجار الفاكهة تُعد من أخصب أراضي العالم، تزنر دمشقنا من الشرق والغرب والجنوب.
أبو أحمد يشد الكلام ليصل إلى لسانه مخاطباً زوجته التي أضحت منذ سنين قليلة بلا ملامح: 
– أتفهم لمَ نالك الزهايمر المبكر، أعرف أنك لا تقبلي أن تريْ اللوحة مقلوبة، ولن تعترفي بأن أبواب جهنم فُتحت منذ سبع سنين..
قالها دون أن يقول.

باريس
الأب: يلا يلا يا جماعة خلينا نروح نشوي ونحتفل بلمتنا، من سبع سنين كل واحد فينا بدنية، شقا العمر حطيتو بشراء بناء مؤلف من أربع طوابق لكمل حياتي مع أمكم ببيت وأنتو جنبنا كل واحد مع مرته ببيت، حلم من أحلامي الكثيرة كل يوم جمعة نعمل سيران كلنا ونشوي. 
أول مبارح اجا أيمن مع أولاده بدون مرته من هولندا وقال شو؟! بدها تروح مع رفقاتها تقضي العطلة، اليوم وصل محمود من السويد، ومبارح وسيم هو ومرته من ألمانيا.
يلا يا جماعة حاج تأخير، ما صدقنا إيمتا لقينا مكان مسموح الشوي فيه، كأنكم عم تستنوا حدا من الأحباب يروح معنا ليصير السيران أحلى وأحلى، بحب قلكم كل حدا صار بجهة ومستحيل أقدر أجمعهم، واليوم كلنا مع بعض إنجاز صار بطلوع الروح لنقضي العطلة سوا ونعمل سيران سوري.
الله يحرمه الجنة وشم هواها اللي فرقنا!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*