على هامش الصندوق الأسود.. (سقوط الجولان )

الجولان-السوري-المحتل

لست من الجيل الذي عاصر هزيمة حزيران عام 1967م , ولست طرفا فيها , بل من جيل هو ناتج تلك الهزيمة , وعانى ولمّا يزل نتائج كارثة حزيران التي أرست حكما طائفيا , اختزل سورية بشخص وصل الحكم عبر دماء الناس , ومن نافذة قناة الجزيرة الفضائية , تابعت كغيري برنامج ( الصندوق الأسود , سقوط الجولان ) , ولا أعترض أو أناقش ممن أدلى بشهادته في هزيمة الأيام الستة , فكثيرا ما تطمر أسرار السياسة والسياسيين تحت ركام القوة والأهواء وعمليات الإلغاء , وطالما شوهت حقائق , بل شنقت على أعواد الطغاة والظالمين , ولعل ما فتحه صندوق الجزيرة الأسود كشف أسرارا خفيّة غامضة لقلّة من كتبوا فيها كفاعلين ومشاركين في حركة أحداثها , وتلك الشهادات , بالنتيجة أمانة , ومسؤولية وطنية في قراءة مرحلة كانت بنتائجها الكارثية مدمرة وممزقة للوطن عبر حرب أهلية صامتة في بعض مراحلها , وعلنية في بعضها الآخر , امتدت منذ شباط عام 1966م , وكانت أكثر تعبيرا في مرحلة الثورة السورية . والسؤال الكبير كيف سقط الجولان السوري ؟

وصول جديد/ الأسد للحكم , مقدمات سقوط الجولان
بأسلوب الرشوة المبطنة , أعاد الثنائي ( صلاح جديد / حافظ الأسد ) قصة ( أبو جعفر المنصور ) مع عساكر أبي مسلم الخراساني , الذين ألهاهم جمع المال عن البحث في مصير قائدهم وجثته المرمية خارج أسوار القصر , فكانت الجثة التي ألقاها ( جديد / الأسد ) , للعساكر المنشغلين بالمنافع الذاتية مساحة ( 2005) كم2 , من أرض الوطن التي ألحقتها اسرائيل بدولتها بعد خمس سنوات من احتلالها .

بعد إعلان مجلس الأمن الدولي عن وقف إطلاق النار بين العرب واسرائيل , وانتهاء اسرائيل من احتلال هضبة الجولان , والضفة الغربية وصحراء سيناء حتى قناة السويس , أعلنت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية , التي كان يهيمن عليها ( جديد ) ووزير دفاعه الأسد , أنه نظرا للصمود الذي أبداه الجيش السوري في الدفاع عن الوطن فقد تقرر, منح راتب شهرين لكل ضابط وضابط صف وجندي من العاملين في الجيش متطوعين كانوا أو احتياطيين , ومنح إجازة استيراد سيارة لكل من فقد سيارته الخاصة في تلك الحرب , والتعويض عن الحاجيات والأثاث التي للعسكريين الذين فقدوها بسبب مغادرتهم لمساكنهم في تلك الجبهة , وبذلك القرار أصبح عدد الفاقدين لسياراتهم من العسكريين , والذين فقدت حاجياتهم بالمئات والمتضررين بفقدان أمتعتهم وحوائجهم البيتية أكثر .

من المعروف أن حرب الأيام الستة عام 1967م , انتهت , بخسارة سورية مرتفعات الجولان التي تعد من أمنع وأخصب الأراضي , وانسحاب الجيش السوري من تلك الاراضي بعد أن قدم للدفاع عنها مئة وخمسة وأربعين قتيلا بحسب ما جاء في حديث وزير الاعلام السوري محمد الزعبي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ( 24/ حزيران / عام 1967م) , والذي نشرته جريدة الجماهير السورية في عددها ( 684) .

جاء ( جديد / الأسد ) , إلى الحكم في سورية بمشروع يخصهما وحدهما وباشرا بتنفيذه تحت مظلة حزب البعث , منذ اليوم الأول لما عرف بثورة آذار عام 1963م , عندما تولى ( جديد ) رئاسة شؤون الضباط مستفيدا من اندفاعة الضباط البعثية – الوطنية في الجيش , وضعف التنظيم الحزبي المدني والعسكري الموالي لقيادة الحزب القومية ممثلة ( بعفلق – البيطار ) , بينما كان ( جديد / الأسد ) , يعملان على تجميع ولاءات عسكرية على أسس طائفية لدفعها إلى المراكز الأساسية . وذلك عبر مراحل إلى أن صنعا حزبا جديدا كل صلته بحزب البعث التاريخي , هو الوحدة في الأسماء ولا شيء غيره , وركب مع طائفته موجة حزب البعث لسبيين , الأول , لأن ( جديد / الأسد ) , ومن معهما من الطائفة العلوية , بحاجة إلى هوية حزبية يواجهون بها ممثلي الاتجاه الناصري , وجلّهم من السنة , الأكثر نفوذا في الجيش , والأوسع شعبية بين الناس . والثاني , كان على ( جديد / الأسد ) , إثبات هوية جديد البعثية لكسب ولاء الضباط البعثيين , فآل جديد ينتمون تقليديا إلى الحزب القومي السوري المعادي عقائديا لحزب البعث , ويحمّل البعثيون شقيقه الأكبر غسان جديد , اغتيال العقيد عدنان المالكي , ويتهمونه بالعمالة للولايات المتحدة . بينما الأسد كان ضابطا مغمورا في القوى الجوية التي يسيطر عليها تكتل الضباط (الشوام).Military_Committee_celebrates_1963_coup

ليلة السكاكين الطويلة
( ليلة السكاكين الطويلة (بالألمانية (: Nacht der langen Messer) أو «عملية الطائر الطنان» أو ما يعرف بالألمانية بـ»روم بوتش»، هي عملية التطهير التي وقعت في ألمانيا النازية بين 30 يونيو و 2 يوليو 1934، عندما نفذ هتلر سلسلة من عمليات الإعدام السياسية. وكان معظم القتلى من أعضاء فرقتي «كتيبة العاصفة « إس أ) و»القمصان البنية» الشبه عسكريتين.
كانت أول مرحلة من مخطط ( جديد / الأسد ) , تصفية الضباط الناصريين ( السنة ) وجماعة زياد الحريري من الجيش , تصفية شاملة ونهائية , ثم تصفية معارضيه داخل حزب البعث , ولضمان تحقيق مشروعهما , لابد من تأييد القيادة الحزبية واعترافها بجديد قائدا حزبيا للعسكريين المنتمين للحزب , مما مكنهما من تصفية القيادة التاريخية للحزب بالأسلوب النازي الذي مارسه هتلر فيما عرف بالتاريخ بالليلة ذات السكاكين الطويلة , في مذبحة تموز من العام 1963 م . إثر الحركة التي قادها جاسم علوان , فأفرغ الجيش من مئات الضباط من مختلف صنوف الأسلحة , وكان الهدف البعيد الذي خطط له ( جديد / الأسد ) , الهيمنة على القوات المسلحة السورية , لأنها الوسيلة التي لا بديل عنها في تطلعهما للاستيلاء على السلطة كاملة في سورية . ولكن السؤال , كيف عرف ( جديد / الأسد ) بتفاصيل حركة الناصريين ؟ لقد أبعد جديد قادة الأجهزة الأمنية بالنفي خارج البلاد , وجلهم من السّنة , كمحمود حاج محمود رئيس المخابرات العسكرية وعين بدلا منهم ضباطا طائفيين , وكان مصدر جديد عن الحركة الناصرية , الضابط المسرح النقيب الطائفي محمد نبهان , الذي هون على جديد / الأسد قمعها بعد ساعات من وقوعها . والسؤال الملحاح كيف يعدم ضباط بحجة اشتراكهم بالحركة , ولا يعدم من أعلن رسميا أنه من أخطر المشتركين فيها , وأعني النقيب محمد النبهان ؟ وبذلك تخلص ( جديد/ الأسد ) من الضغوط الداخلية الشعبية والعسكرية التي كانت تطالب بالعودة إلى الجمهورية العربية المتحدة . وصعود ( صلاح جديد ) إلى قمة السلطة العسكرية برتبة لواء رئيسا لأركان الجيش السوري . وبلغ مجموع الضباط الذين سرحهم ( 950) ضابطا من مختلف الرتب , وكانوا من العسكريين المحترفين الذين يشكلون العمود الفقري للجيش السوري .
بعد تصفيتهما للضباط السنة , قاما بحركة 23 شباط عام 1966م , التي انتهت بنتائج كارثية على الصعيد الوطني , فقد تسبب مشروع الثنائي ( جديد / الأسد ) , في خلق انقسامات طائفية , بحيث أصبح الولاء للثنائي , من أهم شروط القبول في الكليات والمعاهد العسكرية , والوصول إلى المراكز الأساسية في الجيش ودوائر الأمن المختلفة , وأصبح الجيش السوري كله بسيطرة الثنائي , وابتدأ التحول الخطير في المستوى العسكري للجيش نحو الأدنى , والتحول الأخطر في أولويات المهام العسكرية للجيش , إذ جعلت مهمة القمع الداخلي بحجة المحافظة على مكتسبات الثورة , مقدمة على مهام المواجهة مع العدو لتحرير فلسطين التي كان الثنائي ( جديد / الأسد ) يزاودان فيها على العرب الآخرين بالكلام الاذاعي .

قرابين هزيمة حزيران في سورية
كتب مصطفى طلاس في كتابه مرآة حياتي : لم يكن يراودني أدنى شك في أن الحكم معرض للسقوط , ذلك لأنني لم أشعر بالتقصير في الحرب العربية – الاسرائيلية , .. ولكن الرفاق أعضاء القيادة القطرية ( باستثناء اللواء حافظ الأسد ) , كانوا مصابين بنوع من الهلع , لاحتمال فقدانهم السلطة , لأنهم إذا فقدوها فمعنى ذلك أنهم فقدوها إلى الأبد … اتصل بي اللواء حافظ الأسد وزير الدفاع , وقال لي : ( عليك أن تباشر بمحاكمة سليم حاطوم وبدر جمعة , وعندما استأذنته , أن أقوم بتنفيذ المهمة صباح اليوم التالي … كانت توجيهات اللواء حاسمة : عليك أن تبدأ عملك منذ هذه اللحظة , لأنك لا تعيش جو رفاقنا في القيادة , فهم في حالة رعب حقيقي وخوف على سقوط النظام … فأجبته إني متوجه فورا لإنجاز المهمة .
والحقيقة في عودة سليم حاطوم وبدر جمعة , إلى دمشق والأسباب في إقدام ( الأسد / جديد ) على إعدامهما , ليس كما تحدث مصطفى طلاس , الأكثر رعبا منهما , فكلام طلاس يحتاج إلى الدليل الذي يؤكده , والأغبياء وحدهم الذين يصدقون أن ضابطين يتركان القوات التي معهما على الحدود السورية – الأردنية ويدخلان دمشق لوحدهما لإسقاط النظام فيها .

والحقيقة في إعدام ( سليم حاطوم وبدر جمعة , حالة الفزع عند ( جديد / الأسد ) , و التي تحدث عنها طلاس , وولّد الخوف من خروج الجيش عليهم , والنتيجة لخروج الجيش على السلطة معروفة للثنائي الطائفي , التمرد وإسقاط الحكم , فكان لابدّ من عمل ضاغط وسريع يرهب الجيش , فأمسكا بأول فرصة ممكنة بتذكير قادة الجيش بخطورة التفكير بمحاولة التمرد , وكانت تلك الفرصة , إعدام أقوى ضابطين من ضباط الجيش السوري في مرحلة الستينات بعد محاكمة صورية أجريت لهما على عجل في سجن المزة العسكري .
وبالنتائج التي أسفرت عنها حرب الأيام الستة , كانت أكثر من كافية لإقصاء ( جديد / الأسد ) , وتقديمهما مع قائد الجبهة أحمد المير إلى المحاكم الميدانية ومحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى , أسوة بما يحدث في بلاد العالم الذي تتسبب قيادته في مثل تلك الكارثة أو بأقل منها أثرا على الوطن والأمة . ولكن ما الذي جرى ؟

تركي المصطفى