لاجئات في مخيم الزعتري نجحن في كسر شوكة الجوع

زيتون – مها خضور 

لقد تسبب الصراع في سوريا بواحدة من أكبر أزمات الهجرة في العالم في العصر الحديث حيث انتشر السوريون في كل أصقاع الأرض بحثاً عن الأمان وهرباً من موت محتوم. لجأ عدد كبير من السوريين إلى الأردن فكان حظ فقرائهم أن يسكنوا مخيم الزعتري الذي أنشئ في شمال غرب الأردن في تموز عام 2012ليضم أكثر من 124000 لاجئ سوري وهو يصنف الآن بأنه ثاني أكبر مخيم في العالم ورابع مدينة أردنية من حيث عدد السكان. 

يعتبر اللاجئين القدامى في المخيم من المحظوظين لأن مساكنهم جهزت بالكهرباء وهي أكثر أمنا من المساكن الأخرى لأنها جهزت بعناية أكثر إلا أن تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة اضطر الحكومة الأردنية ومفوضية اللاجئين لتجهيز خيم وكرفانات دون الأخذ بالاعتبار مدى صلاحيتها وأمنها في كثير من الأحيان.

بكرفاناته البيضاء وخيامه التي تبدو وكأنها تاهت في الصحراء المترامية الأطراف من حولها يبدو المخيم مكاناً رهيباً، لكنك وبرغم ذلك تستطيع سماع ضحكات النسوة ودردشاتهن القادمة من غرفهن الصغيرة أو من المطابخ الجماعية. ضحكاتهم وثرثراتهم تبعث على التفاؤل حيث لم تستطع الظروف المريرة التي مررن بها من تحطيم قدرتهن على العطاء ورغبتهن في الحياة وانطلقت كل واحدة منهن تبحث عن حلول لها ولعائلتها ليثبتن جميعا أن المرأة السورية تخلق الحياة كيفما كانت الظروف.

ولا أدعي سعادة هؤلاء النسوة بحياة المخيم الذي يحلم جميع من فيه بالرحيل عنه لشدة قسوته حتى أن الكثيرين منهم يطلقون عليه أسماء كالسجن أو جهنم أو المنفى وغيرها، لكن جهود النساء وسعيهن لحياة أفضل لا يمكن تجاهلها وخاصة أن نسبة 54 % من سكان مخيم الزعتري هم من الإناث وأن 42 % من نساء المخيم هم معيلات لأسرهن.

تحاول النسوة داخل المخيم فعل كل ما أمكن في سبيل البقاء وتستفيد المرأة من أي شيئ أتيح لها، فداخل الخيمة يمكنك رؤية بعض العلب المعدنية الفارغة وقد أصبحت أواني مطبخ مثلاً أو بعض الملابس الرثة وقد تحولت إلى غطاء للنوم. ولكن هناك عدد لا بأس به من النساء ممن استطعن القيام بأعمال تدرّ عليهم وعلى أسرهن بعض المال الذي يمكن أن يعينهم ويكفيهم شرّ التسول.

وإذا تجولت في الشارع الرئيسي في المخيم والذي اعتاد السكان على تسميته بالسوق تقابلك العديد من النسوة والفتيات اللواتي يبعن ما صنعن من طعام شهي كالمكدوس والمخللات وبعض الحلويات السورية كالهريسة والمشبك وغيرها الكثير، تبيع النسوة ما تنتجنه لبقية أبناء المخيم وأحيانا تستطعن الذهاب خارجه وبيعها للمواطنين الأردنيين بسعر أفضل.

سهام قداح-26 عام وهي أم لثلاثة أطفال تقول :»الحمدلله أنني أتمكن من بيع ما أصنع من مكدوس ومخلل خارج المخيم لأن السعر هناك جيد وأستطيع بهذا المال شراء ما يحتاجه أطفالي من ملابس وطعام دون أن أضطر لأن أمد يدي لأحد.. أن نكون لاجئين لا يعني بالضرورة أن نشعر بالعجز فالإنسان يستطيع التأقلم مع كل الظروف» ثم تبتسم بخجل وتقول: «في البداية كنت أخجل كثيرا عندما آخذ الطعام الذي صنعته وأجلس في الشارع بانتظار من يشتريه ولكني الآن تجاوزت ذلك الخجل فأطفالي بحاجتي وأنا لا أستطيع فعل أي شيء آخر».

غالبية اللاجئين في مخيم الزعتري هم من أبناء محافظة درعا الذين اضطروا إلى الفرار باتجاه الأردن طلباً للأمان ولكن أكثرهم صدمتهم مناظر الخيام والكرفانات في المكان الصحراوي الذي اختير لهم وهم من اعتادوا على العيش في درعا التي لقبت بأنها سلة الغذاء السورية لكثرة مزروعاتها ووفرتها. ولكن الواقع الجديد فرض عليهم خيارات صعبة بالاكتفاء بما تقدمه لهم إدارة المخيم من ملابس وطعام أو البحث عن حلول مؤقتة وبشكل فردي.

فانبرت العديد من النسوة للبحث عن أعمال تتناسب مع ما اكتسبن من معارف ومهارات سابقة بغية تأمين أي مبلغ إضافي يفيد بقية أفراد الأسرة.
أم خالد – 53 عام هربت مع عائلتها من مدينة بصرى الشام قبل ما يقارب العامين وهي أم لسبعة أبناء وجدة لخمسة أحفاد جلست في أحد شوارع مدينة إربد وأمامها سلة مليئة بالبامياء التي كانت تعمل على تقميعها قالت:

«لست سعيدة بجلوسي في الشارع والعمل منذ الصباح الباكر حتى فترة الظهيرة وأنا التي تعودت على الجلوس في مضافة يرمح فيها الخيّال لكن الظرف تغير وعلي أن أقدم ما أستطيع في سبيل إنقاذ من تبقى من أفراد العائلة»

الصورة رمزية

ثم تابعت كلامها وقالت:
«أنا أقمع البامياء وأحيانا أحفر الكوسا والباذنجان وتأتي النساء من الحي لتطلب مني القيام بهذه الأعمال مقابل بعض المال وأدعو ربي كل صباح أن يعطيني المزيد من الصحة لأساعد أبنائي».

رنا عويدات -17 عام تقول: ذهبت إلى إحدى المدارس الموجودة في المخيم وكنت أتمنى أن أكمل تعليمي فمنذ صغري كنت أحلم بأن أصبح معلمة ولكن لا توجد جامعة في المخيم وأهلي لن يتمكنوا من دفع تكاليف المواصلات إلى الجامعة لذا قررت أن أتعلم مهنة أستفيد منها وبالفعل تعلمت صناعة ربطاة الشعر وبعض أدوات الزينة وأنا أقوم بصنعها في المنزل وبيعها لأحد الصالونات هنا في المخيم، إنها لا توفر لي مبلغا كبيرا من االمال ولكنها أفضل من لا شيء كما أنني سأتعلم مهنة تصفيف الشعر في ذلك الصالون.. اللاجئ ضعيف جداً في هذا البلد ويحتاج إلى مهنة تستره».

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*