ما قيل في رحيل “معري كفرنبل” الروائي عبد العزيز الموسى

توفي الروائي والأديب السوري وابن مدينة كفرنبل “عبد العزيز الموسى” أمس الاثنين، بعد معاناة طويلة مع المرض.

ونعى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وفاة الروائي “عبد العزيز الموسى” عن عمر ناهز 74 عاما، في بلدة إسقاط بريف إدلب الشمالي الغربي، بعد نزوحه إليها إثر الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام وروسيا على مناطق ريف إدلب الجنوبي والشرقي وسيطرتها على مسقط رأسه كفرنبل.

كما نعاه الوسط الأدبي والثقافي في سوريا وفي الشمال خصوصا، مشيرين إلى تهميشه بشكل مقصود قبل الثورة السورية من قبل السلطات السورية بسبب أرائه الجريئة التي لم تجامل النظام أو تداهن له.

وفي شهادة مصورة له قال الناشط حمزة الرستناوي صديق الروائي الموسى: “معظم المثقفين السوريين لم يكونوا يعرفون من هو عبد العزيز الموسى، في الحقيقة روايته “عائلة الحاج مبارك” كانت فائزة بجائزة نجيب محفوظ بالمرتبة الثانية، بينما كانت الصحف السورية مشغولة بالاحتفال بفوز الكاتب “حسن حميدة” بجائزة نجيب محفوظ عن المرتبة الثالثة، ولم يكن أحد يذكر عبد العزيز الموسى لا من قريب ولا من بعيد، اسمه مغيب تماما، تبين لاحقا أن هذا التهميش مقصود، لأن عبد العزيز الموسى لا يواكب الموجة السائدة في سوريا وشبكة العلاقات النفعية آنذاك”.

وفي حوار سابق لزيتون قال الموسى: “الجنون أهم مطلب لنا اليوم، فليس المهم أن نعرف ماذا نقول في الوقت الحاضر، وليس شرطا أن تكون الأفكار مرتبة ومنطقية، حتى أن الأفكار المرتبة والمنطقية من ألد أعداء القدرة على الوصول، تداخلت الأفكار وأصبحنا غير قادرين على الفرز، لكننا نكبر أحيانا حين نسمع أن هذا البلد ما يزال فيه نبض، فيه إرادة، فيه رؤية، فيه قدرة على النهوض”.

وتمتاز روايات الأديب عبد العزيز الموسى بقسوة صدقها وانغماسها الكامل في محيط المكان وتفاصيله، مستخدما مفردات خاصة به، مستنبطا من حجارة مدينته السوداء كلماته الحادة كالرصاص، ومن خضرة تينها رقة المشاعر ونقائها.

الروائي عبد العزيز الموسى من مواليد مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي 1946، كتب تسع روايات أولها اللقلق، ثم عائلة حاج مبارك التي فازت بجائزة نجيب محفوظ المرتبة الثانية، والجوخي، وبغل الطاحون، جب الرمان، وجرجرة التي طُبعت خلال الثورة، وله أيضا ثلاث مخطوطات منها رواية كاهن دورا الفائزة بجائزة مجلة دبي الثقافية، ومسمار السماء.

وفي نص له على صفحته الشخصية في فيس بوك عام 2016، كتب الموسى متسائلا ومستشرفا مستقبل الثورة:

“وحقنا المسكون بالرؤيا ؟ سألتهم ودماؤنا الثكلى.. ورب العدل واسع النجوى قالوا انصرف.. ما كان في حارتنا يوما.. هذا السكين”.

ورثاه الشاعر عبد العليم زيدان قائلا:

رحلَ الذي… من اسمه..لا يرحلُ قال، قلتُجّلَ،قلتُ لا يترجّلُ
سيظلّ شمساً لا تغيبُ عنِ المدى وضياءَ بدرٍ سرمدٍ،لا يأفلُ

كما كتب صديقه أحمد زعتور: “منذ الصباح أفجعني هذا اليوم ذاته برحيل صديقين عزيزين جدا على قلبي، وكلاهما كبيران في عالم الفكر والأدب والمعرفة على مساحة الوطن العربي كله، الأديب العربي السوري عبد العزيز الموسى، والأديب السوري عدنان فرزات، مؤلم جدا ومُوجع جدا أن يتلقى إنسان مثلي في أواخر أيام خريفه العمري ضربتين متتاليتين في يوم واحد”.

كما ودعه صديقه نور الدين الإسماعيل بقوله: “مؤلم رحيلك بحجم إبداعك، وموجع غيابك وأنت بعيد عن التراب الذي عشقت، عن الأرض التي جبلت أعمالك من طينها فأنبتت تفرداً وأزهرت إبداعاً، وداعاً يا شمس كفرنبل التي أفَلَتْ خلف الغياب”.

القاص “عبد الرحمن حلاق” كتب: “ويُذكر أن الروائي عبد العزيز موسى مهمش قصداً لسببين الأول أنه من محافظة إدلب التي صفقت حافظ أسد بحذاء يوم زارها في بداية حكمه والسبب الثاني لأنه من مدينة كفرنبل المدينة التي قام أحد أبنائها بمحاولة اغتيال لحافظ أسد في الثمانينات وكاد ينجح لولا أن كلب الحراسة رمى بنفسه على القنبلة اليدوية”.

عبد الرزاق كنجو كتب متذكرا الموسى في أحد زياراته: “وجدناه مستلقٍ على فراش رقيق بلا سرير، لم أصادف أكثر منه تواضعا في حياتي. أراه كبيرا شامخا رغم أن جسده يكاد يلتصق بالأرض. حاورت نفسي سراً.. وعاتبت الوطن الذي يتعامى عن المبدعين أمثاله. ولا غرابة في ذلك.. فهكذا تموت أشجار السنديان وهي واقفة متجردة من خضرة أوراقها .

مي جليلي كتبت:
“تعرفت صدفة على إحدى روايات عبد العزيز الموسى، وقلت هل يوجد عندنا من يكتب مثل هذا؟!!… بعد ذلك تعرفت على الروائي والإنسان عبد العزيز، كان رجلا أنيقا بأفكاره دون تكلف، ولا ادعاء، متواري وراء الحجب، متكئا على ثلاث عشرة رواية.. كل رواية ترفل بعالم من السحر.. انبهرت بالأسلوب والطريقة التي ينسج بها عبد العزيز روايته. وقد جمعنا وسواس الكتابة وهموم الدنيا، كنت أبدأ بالتنظير أمامه والنقد والتعجب، وانتهي تلميذة تستمع إلى معلمها دون ادعاء.. ولا أستذة، أصبحنا صديقين، جمعتنا هواجس عشرين عاما من الكتابة.. لم يكن عبد يحب سوق الأدب ولا الكاميرات ولا الدعايات، اكتفى بذلك الحجر الأثري الذي يجلس عليه تحت سماء بلدته، يكتب ما لم يكتبه أحد متفردا بطريقته وفلسفته، سكن في البراري قارئا ومفكرا وروائيا..صارت الدنيا تلف حوله وتتبع خطواته.. وهو ينزوي بعيدا حزينا، مستغرقا في عالم انهار حوله.. قبل أشهر قال لي:
— لم يبق إلا القليل على سطح هذه الأرض..
كان موقنا أن المرض يقضم أواخر لقم عمره ولم يكن خائفا ولا مبتهلا، كان وديعا ورقيقا، رمى أحمال الأرض ووضع رأسه التعب على وسادة من الغيم ونام دون إرباك أحد، الرحمة لروحك يا عبد يا صديقي والرحمة لنا بما تبقى من حزن.. لا تجزع يا معلمي ولا تحزن كلنا نعد وسائد الريح”.

ونشر مجموعة من مثقفي كفرنبل ونشطائها مراث بحق الموسى منهم الناشط محمد السلوم الذي كتب:
رحل اليوم عبد العزيز الموسى، أديب كفرنبل الذي أحبها ولم تحبه!
مع أول قرن للشمس يخرج عبد العزيز كل يوم، يسير بين حقول التين والزيتون، بالكاد تميزه عن تلك الحجارة البازلتية السوداء التي تغطي المنطقة، يبحث بينها عن مفرداته الصعبة ويفتش ملياً عن أمل فلا يجد… فيعود برفقة عجوز ما وقد حصل منها على بضع حكايات وسوالف.
كانت السهرات تعرج على كل شيء، من السياسة إلى الأدب إلى الدين إلى الاجتماع، ولا تخلو بالطبع من حكايات كنا نطالبه بتكرارها عن دراسته طفلاً في المعرة، ثم في حلب وعمله في الجزائر وفترة الثمانينيات وعمله في الريف الشرقي للمعرة معلماً، حيث ما زالت بلداته تحتفظ له بالود ويحفظ هو لها المحبة والأصدقاء الكثر.
من يجيزه عبد العزيز فهو صاحب حظوة كبيرة، ومن يطرب لقصيده أو قصته لا ينام ليلته من الحبور والفرحة، كان بيته محج كل متعامل بحرفة الأدب في محافظة إدلب وريف حماه، وعدد آخر من الأدباء ممن كانوا يأتون إليه بشكل خاص من دمشق أو منطقة الجزيرة.
لا ينبغي أن تستغربوا إذا قلت لكم إن عبد العزيز كان مكروهاً في كفرنبل، العلماني الكافر الزنديق إلى آخر ما هنالك من تهم جاهزة لكل من يُعمِل قلمه تشريحاً ونقداً في مجتمعه، فكيف إذا أضفنا لذلك اشتغاله بالفلسفة؟ ولكن كفرنبل التي لا تكف عن أكل أبنائها، كانت تعرف أن عبد العزيز هو جوهرة عقدها التي تباهي بها الآخرين، فأمام أي لقاء تلفزيوني للحديث عن البلدة أو تاريخها وأمام أي ضيف كانت كفرنبل تهرع إلى عبد العزيز، فهو المتحدث العالم، هو معري كفرنبل، الذي يقوم بفدائها وتخليصها من مآزقها، ورغم عقوقها كان يحبها!
يدفن عبد العزيز غريباً اليوم كما كان دائماً، يدفن في أرض غريبة لم تحبه يوماً ولكنه أحبها، يدفن محملاً بآلاف حكايات القهر والوجع، حكايات محافظة تائهة أضاعت طريقها بعدما أمعن المجرمون في سحقها وتدميرها وإهمالها.

ابن كفرنبل أحمد السلوم قال عنه: “الى الغائب والحاضر للروح والجسد الى عبد العزيز.. وأخيرا ترجل فارس الكلمة تاركا لمحبي فنه الأدبي أسفارا قل نظيرها، قاتل بالقلم شبيحة العصر من ساسة وأدعياء فكر .مطوعا الفكرة.سابقا لعصره . حري بنا ووفاء فقط لما أعطى من عصارة روحه أن يكون حاضرا للأجيال القادمة يحدو بهم بما ترك من كنوز الى مستقبل أفضل.عزائي لنفسي ولمن أحب الفقيد.

الناشط ياسر السليم نعاه بقوله: “الألماسة النادرة و صاحب العقل الراجح و الرؤية الثاقبة، كان يتم تهميشه والتعتيم عليه قصدا من قبل النظام المافيوي الأسدي لأنه لم يكن يداهن أو يمسح جوخ للسلطة الحاكمة، وهو اليوم يرقد طريح الفراش نازحا في إحدى قرى الشمال السوري.

الناشطة غالية الرحال نشرت على صفحتها: “لم ينته حبرك بعد يا حبيب كفرنبل، مات من كان لنا أباً، مات من كان إذا تكلم أنصت الجميع، لمن نسمع و ننصت بعد اليوم؟”.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*