مُضحيات لا ضَحيّات

28qpt957

زيتون – محار الحسن

عطوفة حنونة، بالوقت ذاته شجاعة حازمة، تلك هي المرأة السورية في زمن ثورة الحرية، فمع انطلاق هذه الثورة لم تغب قضايا المرأة السورية عن الساحة الإعلامية ولاعن لسان المثقفين والباحثين، خاصة بعد معاناتها المستمرة نتيجة الحرب القائمة منذ خمس سنوات إلى الآن.
إلا أن هذا التهويل الإعلامي والاهتمام المزيف لم يوضح الصورة الحقيقية عن دور المرأة في إعالة وطنها الصغير بيتها وبناء مجتمعها السوري خارجه، لأن هذه اللفتات عنها كانت بمعظمها تركز على معاناتها وفقرها واستغلالها من الزوج والمجتمع الذكوري على مختلف النواحي، وبهذا تغييب لواقع الإرادة الذي لا يكسر رغم كل العقبات الكبيرة التي تواجهها المرأة وتتغلب عليها بعملها وصبرها، فجدير بالذكر أن أكثر من ربع المجتمع السوري تعيله امرأة بحسب إحصائية للأمم المتحدة عام 2014.
الحرب التي دمرت البلاد وأبكت الرجال وهجرت الملايين، جعلت المرأة مضطرة لتحمل أعباء جديدة دفعتها للعمل بجميع المجالات، ولو كان ذلك العمل على حساب صحتها، فأطفالها وبيتها ووطنها يستوجبوا عليها الصمود الدائم.
“أم محمود” أربعينية من الريف الحلبي تحدثت ل “زيتون”:
” إن نكباتي المتتالية بعثت في نفسي القوة والتصميم لإتمام مسيرة الحياة بعد موت زوجي حزنا على ولدينا الشهيدين في أحد المعارك ضد النظام البعثي”، وتتابع: “خسارتي المادية كبيرة أيضا بعد أن علم النظام باستشهاد أولادي عزلني من وظيفتي التربوية وحرق منزلي، كل هذه المصائب لم تثني عزيمتي في تقديم ما يلزم لأطفالي الصغار، فهم أملي وكنزي الوحيد المتبقي من هذه الدنيا”.
لم تتوقف تضحيات المرأة على الدعم المعنوي لصغارها، بل تعدت حدود منزلها لتعمل خارجه بمهن لم تعاصرها من قبل، متحدية بذلك العادات والتقاليد البالية، ونظرات الناس التي تخفي ورائها تساؤلات كثيرة، فحرب أفقدتها أغلى ما تملك اضطرتها للسفر والمخاطرة بذاتها بدلا عن ما تبقى من غوالي عندها إلى مناطق النظام لاستلام الراتب الشهري لعله يسد رمق العيش قليلا.
نساء أخريات خلفت الحرب لهن زوجا أو شابا معاقا فحملن بقلوبهن حزنا شديدا وعلى عاتقهن عبئا كبيرا عند عملهن بالمجال الإغاثي، أو الإعلامي، أو الطبي، فحال “أم جهاد” العاملة كمستخدمة بإحدى مدارس الغوطة الشرقية بدمشق بدلا عن زوجها الفاقد لقدميه نتيجة سقوط قذيفة بجانبه، يفسر ما سبق.
إلا أن الحرب أرفقت التعب الجسدي بتعب أشد إيلاما في نفس المرأة هو العنف النفسي الذي تتعرض له من زوجها نتيجة تبدل الأدوار الحتمي، والاحباط النفسي للرجل لعدم قدرته على أداء واجباته بالإنفاق على عائلته، ونظرة المجتمع السلبية الموجهة إليه، مما جعله مفرطا باستخدام سلطته عند تراجع إجباري بامتيازاته داخل منزله.
في حين يحي العالم ومنظماته في الثامن من آذار لكل عام يوم المرأة العالمي، لاتزال المرأة السورية محاصرة بنيران كثيرة منها نار الحرب، ونار الفقد للأهل أو الزوج أو الأولاد، مع نار العمل والمقاومة الملحة لتأمين مستلزمات الحياة، بعد أن كانت شريكة حقيقة مع الرجل في مرحلة تعد الأصعب عليها من غيرها، فهتفت مع المتظاهرين وخرجت في تشييع جنازات الضحايا رافعة الشعارات المناهضة للنظام، موزعة المنشورات للحملات والتبرعات.
ناهيك عن تعرضها لشتى الانتهاكات على يد النظام الأسدي من قتل، اعتقال، تعذيب، اختطاف، اغتصاب ،نزوح، واجهتها بعنفوان جعل منها المرأة المتميزة المحققة لذاتها ولمجتمعها مالم يحققه بعض رجال العالم، علما أن عدد معتقلات سوريا قد تجاوز/7/ آلاف في احصائية لعام 2015 صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
لكن هل حقا الإعلام بكافة وسائله، والمنظمات الدولية المتشدقة بحقوق المرأة، قد صورت حقيقة الواقع النسائي في سوريا عندما حجمت معاناتها وقدراتها بإقرانها بعدد الشهيدات السوريات البالغ /19/ ألف حسب شبكة حقوق الإنسان؟؟، أم على العكس يجب أن تكون تضحياتها اللامتناهية رمزاً للصمود والأمل في ظل نظام استبدادي؟!.