نص المقابلة الأولى “لقيصر” تنشرها صحيفة عربية

في أول حديث له، نشرت صحيفة عكاظ السعودية، مقابلة مع “قيصر”، الذي تمكن من تهريب ألاف صور الضحايا في السجون السورية، وتقديمها كوثائق للمجتمع الدولي، ما أحدث ضجة عالمية نتج عنها مؤخرا “قانون قيصر” الأمريكي، والذي سيدخل حيز التنفيذ في بداية الشهر القادم.

نص الحوار:

• كنت من المصورين لضحايا تعذيب وقتل في الشرطة العسكرية.. لماذا كان يوثق النظام السوري هذه الصور؟

•• كنت ضمن فريق تصوير يعمل على توثيق وتصوير كل الحوادث الجنائية العسكرية داخل مدينة دمشق وريفها، عملنا اليومي والروتيني هو تصوير الحوادث الجنائية بوجود قاض ومحقق عسكري، ومع بداية الثورة السورية بقي عملنا اليومي والروتيني كما هو بالإضافة لتصوير جثث الضحايا الذين يتم اعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم داخل أقبية المعتقلات والسجون.

رغم خطورة العمل الذي كنا نوثقه بالصور والذي يدين نظام بشار الأسد إلا أن النظام لم يتنبه لهذه الثغرة الأمنية الخطيرة بسبب حالة التوتر والفوضى التي عاشتها كل الأجهزة الأمنية خلال الثورة لدرجة أنه لم يعد يتحكم بكل مجريات الأمور داخل المؤسسات الحكومية والعسكرية.

• ماذا تقول للمشككين في هذه الصور، خصوصاً أن البعض يقول كيف يثبت النظام تهماً ضده بالاحتفاظ بمثل هذه الصور؟

•• هذا أمر مثبت بالأدلة العلمية وتم تجاوزه، إذ خضعت الصور لمختبرات موثوقة، وكامل الصور الأصلية لملف قيصر تم تسليمها للشرطة الفدرالية الأمريكية أثناء تقديمي لأول شهادة أمام الكونغرس عام 2014 وقد تم تبليغنا كفريق قيصر بعد أشهر عدة بأن الفحوصات والتحاليل المخبرية على الصور أثبتت صحتها وأنها لم تتعرض لأي تلاعب أو تحريف.

والآن دخل ملف قيصر بعد أن تأكدت الدول الغربية من المصداقية حيز التنفيذ، إذ رفع فريق عمل قيصر ممثلاً بشخص سامي قضية في ألمانيا ضد عدة قادة ورؤساء أفرع أمنية وعسكرية متهمين بتعذيب وقتل معتقلين سوريين. وقد تسلم القضاء في إحدى الدول الأوروبية نسخة أصلية من صور ملف قيصر، تم تحليلها وفحصها بشكل دقيق عن طريق مخابر حكومية احترافية وتم اعتماد الصور الوثائق كأدلة إثبات ضد مجرمي النظام السوري ما يقطع بأن نتائج الفحص كانت جميعها تثبت صحة الصور، وبناء على هذه النتائج فإن فريق عمل قيصر رفع قضايا ودعم قضايا أخرى ضد النظام السوري في خمس دول (إسبانيا ، إلمانيا ، السويد، النرويج، والنمسا) تحت إشراف المحامي إبراهيم القاسم.

تعذيب .. قتل.. ومقابر جماعية

• كيف كانت مراحل نقل هذه الجثث من القتل إلى التعذيب؟

•• توجد في سورية عشرات الأفرع الأمنية إضافة إلى مراكز اعتقال عسكرية تم تشكيلها بشكل طارئ بداية عام 2011 لقمع الثورة، كانت مهمة هذه الأفرع الأمنية اعتقال وتعذيب كل ناشط أو معارض خرج في مظاهرات سلمية أو كتب منشورات ضد النظام تطالب بالحرية، وكانت إدارة الأفرع الأمنية إضافة إلى طاقم السجانين تمارس بشكل يومي وعلى مدار 24 ساعة أفظع أنواع التعذيب بحق المعتقلين لتصفيتهم داخل المعتقلات بحجة أنهم إرهابيون.

وفي صباح كل يوم، يقوم كل فرع أمني أو مركز اعتقال بتجميع جثث الضحايا الذين تم تعذيبهم وقتلهم خلال 24 ساعة الماضية وإرسالها إلى أحد المشافي العسكرية ليتم تصويرها وتغليفها وإرسالها إلى مقابر جماعية مجهولة المكان تحت رقابة أمنية مشددة من قبل عناصر الأمن.

• أين كانت تذهب الجثث؟

•• الحقيقة لم يجرؤ أحد على توجيه أي استفسار أو سؤال عن أي شيء، ولكن الذي كنا نشاهده هو وجود عناصر يرتدون اللباس العسكري تابعين لمشرحة المشفى التي يتم التصوير فيها يقومون بتغليف جثث الضحايا بأكياس وتجهيزها من أجل نقلها الى مقابر جماعية مجهولة المكان.

• لحظة التقاطك لصور الموت، ماذا كان يدور في ذهنك؟

•• مشاهد الجثث شيء خارج إمكانية الوصف، ومهما وصفت فلن أستطيع أن أوصل لك الحالة التي كنا نعيشها أثناء التصوير، كنا مجبرين على الوجود ضمن ساحة كبيرة معدة مسبقاً من أجل تجميع جثث الضحايا الذين يتم تعذيبهم وقتلهم داخل أقبية السجون والمعتقلات السورية.

وهذه الساحة تكون بعيدة عن مرأى الناس ومحاطة بحراسة أمنية مشددة، وكانت جثث الضحايا الأبرياء تملأ الأرض وهم حفاة عراة فمنهم الأطفال ومنهم النساء ورجال تجاوزت أعمارهم الـ70 عاماً وعليهم آثار التعذيب كنا نكبت مشاعرنا ونحبس دموعنا خشية أن يلاحظها أحد فيصبح مصيرنا كمصير هؤلاء الضحايا وهو الموت المؤكد.

كان عملنا ممزوجاً بالأسى والحزن والخوف من المستقبل المجهول الذي ينتظر ملايين السوريين في ظل نظام دكتاتوري دموي لا يعرف سوى لغة القتل والدم.

• ما هي أكثر صورة هزت وجدانك ومازالت تلوح لك في كل لحظة؟

•• كل صورة من آلاف الصور التي تم التقاطها لجثث ضحايا التعذيب كانت تحمل في طياتها الألم والقهر على يد أزلام الأسد، ناهيك عن عملية التجويع، إذ لجأ النظام إلى هذا الأسلوب مع كل المعتقلين وهو الأسوأ في العالم على الإطلاق.

المعارضة استهترت بأمننا

• شخصية معروفة في المعارضة، لا داعي لذكر اسمها يقول، إنه ساعدكم في البداية في توثيق الصور واعتمادها كدليل من مراكز توثيق، ثم نشب بينكم خلاف مالي؟

•• هنا يتدخل سامي، الشخص الذي قام بتوثيق صور الملف وإخراجها من سورية ويتابع تداعيات الملف دولياً على المستوى القضائي والسياسي.

بداية أود القول إنه لا يحق لأحد أن يقول إنه ساهم في توثيق الصور، لأن عملية التوثيق هي عمل خالص قام به كل من قيصر وسامي في الداخل السوري. وثانياً لا أحد يحمل مثل هذا الملف ويعرض حياته للخطر من أجل المال، على العكس أنا وصديقي قيصر منذ أن خرجنا ونحن نعاني من مشاكل سواء مع بعض أطراف المعارضة السورية أو مع الأطراف التي تحاول استثمار قوة وتأثير ملف قيصر الأخلاقي، واللعب على وضعنا الأمني، نحن في خطر دائم فكيف نستثمر هذا الملف مادياً!

على العكس، جزء كبير من مدعي المعارضة السورية التي أرادت أن تتولى العمل في الملف، استهترت بأمننا وسلامتنا وسلامة عائلاتنا من أجل أن تتصدر المشهد وتجني مكاسب مادية وغير مادية من هذا الملف.

نحن في فريق عمل قيصر ليس لدينا أية مطامع سياسية إطلاقاً ولم يكن هذا الهدف منذ البداية حين قررنا أنا وقيصر أن ننقل هذا الملف للعالم الخارجي وفضح جرائم الأسد.

لقد غامرنا بأرواحنا وعائلاتنا من أجل إظهار الحقيقة ورفع الظلم والقهر عن الشعب السوري، نحن حتى الآن نعيش مع عائلاتنا في أوروبا على المساعدات المقدمة من الحكومات الأوروبية لكل اللاجئين، كما بقية اللاجئين السوريين.

بل ربما نحن نعيش بمستوى أقل من أي عائلة لاجئة بسبب مخاوفنا الأمنية التي تمنعنا من دخول دورات لغة أو مزاولة أي عمل ممكن أن يؤمن لنا الحد الأدنى من الاكتفاء المادي. فأي احتكاك مع الآخرين وخصوصاً من السوريين قد يودي بحياتنا وعائلاتنا إلى الخطر، خصوصاً أن شبكات النظام السوري من الجواسيس كبيرة في الدول الأوروبية.

• لكن هناك أكثر من جهة تدعي أنها تمثل قيصر؟

•• هذا صحيح بكل أسف، هناك أكثر من عشرين منظمة ومؤسسة يعملون تحت اسم فريق قيصر ويتقاضون مئات الآلاف من الدولارات سنوياً من الدول المانحة بحجة دعم الملف الإنساني والقضائي مستغلين وضعنا الأمني، وعدم قدرتنا على الظهور، وهذا أيضاً ينفي ما يقال عن الاستفادة المادية من هذا الملف، الآخرون الوهميون والمدعون في بعض فئات المعارضة السورية هم من يستغلون ملف قيصر للحصول على التمويل، وسيكون هناك وقت مناسب للكشف عنهم.

هكذا حاولوا ابتزازنا

• ماهي علاقتكم بالمعارضة وماذا قدمت لكم؟

•• سامي: للأسف منذ البداية لم تقدم لنا المعارضة المتمثلة بالائتلاف أو المستقلة عنه أية مساعدة سياسية أو مالية أو على سبيل الدعم الدولي، على العكس تماماً، هناك من حاول ابتزاز الملف وابتزاز الفريق وتحديداً (قيصر وسامي كأشخاص)، كنا نأمل أن تكون المعارضة سنداً لهذه القضية التي تتعلق بآلاف السوريين لكن هذا لم يحدث.

• تحدثت عن ابتزاز.. هل من توضيح؟

•• نعم تعرضنا لابتزاز كبير من شخصيات تدعي أنها تمثل جزءاً من المعارضة السورية، وبلغت هذه الابتزازات حد الخطر الأمني على حياتنا، ربما ليس الوقت مناسباً للكشف عن التفاصيل والأسماء والجهات، لكن سيأتي اليوم الذي نكشف للشعب السوري حقيقة هذه الفئات المعارضة، على الأقل الشخصيات التي تعاملنا معها في بداية العمل على الملف.

• لكن الائتلاف شكل لجنة لمتابعة تطبيق قانون قيصر؟

•• سامي: توجد مجموعة تسلقت على الائتلاف وسيطرت عليه والآن هي في محاولة للتسلق على قانون قيصر ومن ثم تجميده كما قامت بتجميد الائتلاف خلال السنوات الماضية، كنا نتمنى من الائتلاف أن يقوم بإصلاحات إدارية وقانونية تتعلق به والسعي لتحقيق نجاحات سياسية بدل محاولة التسلق على أي مشروع ناجح، في الوقت الذي نرى فيه النظام في أزمة داخلية خانقة على مستويات كثيرة وصراعات داخل قيادته لم نر المتسلقين على الائتلاف يقومون باستثمار كل ذلك وإنما يشكلون فريقاً للتسلق على نجاحات الآخرين.

• هل لديكم مخاوف سياسية من خطوة الائتلاف هذه؟

•• يوجد الكثير من المخاوف والهواجس ذكرنا بعضها ويمكن القول إن الأهم من ذلك جعل ملف قيصر وقانون قيصر ملفا تفاوضياً بيد مجموعة غير مؤتمنة على تضحيات الشعب السوري وثورته العظيمة.

ما يحدث في السجون يفوق الخيال

• سؤال أخير لـ«قيصر».. هل لك أن تكشف لنا عن بعض أنواع التعذيب.. حتى يدرك ويتصور العالم وحشية هذا النظام؟

•• المتابع لآلاف صور ملف قيصر لا بد أن يشاهد كل أشكال التعذيب الذي كانت تمارسها مليشيات النظام السوري بحق المعتقلين، فقد كانت أشكال التعذيب واضحة على أجساد الضحايا بكل الأنواع. وحسب التقارير الصادرة عن الهيئات المعنية بحقوق الإنسان فقد أثبتت تلك التقارير تعرض جثث الضحايا لعشرات الأنواع من التعذيب المؤدي للموت البطيء والمحتم.

وهناك طرق كثيرة لا تنتهي في التعذيب، منها الضرب المدمي بكابلات كهربائية وكسر الأسنان وتكسير القدمين واليدين وخاصة الأصابع، وتظهر الكثير من الصور أيضاً فقأ العيون وأيضاً التعذيب بالحرق والصور معظمها يظهر ذلك.

إن أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون داخل أقبية السجون السورية تفوق بشراستها وقذارتها أفعال وأعمال النازيين هي نوع جديد من الوحشية في سجون الأسد، كل ذلك كان النظام يمارسه ضد الشعب السوري الأعزل ومازال يمارسه ليومنا هذا على مرأى من هذا العالم الذي يدعي الحرية والإنسانية، ورغم كل هذه الوحشية يرى البعض أن نظام الأسد يمكن أن يستمر، مثل هذا النظام الذي يعامل شعبه بهذه الطريقة كيف يمكن أن يستمر أو يعاد إنتاجه، ما رأيناه في السجون يفوق كل الخيال.. كنا في كابوس بكل معنى الكلمة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*