السوريون في مناطق النظام

حمص 1

زيتون – محمد أبو الفوز 

يعيش في مناطق سيطرة النظام عدد كبير من السوريين، ويعيش أكثر هؤلاء في المدن التي يتمسك بها النظام حتى اللحظة، فمازالت دمشق وحمص وحماة وجزء من حلب ودير الزور بالإضافة إلى مدن الساحل تحت سيطرته.
وينظر الكثير من السوريين في المناطق المحررة لهؤلاء نظرة سلبية، والسبب أنهم مازالوا كما يقولون في أحضان النظام، ولا يتلقون القصف والبراميل التي دمرت بيوت الناس، وأزهقت الكثير من الأرواح كما في مناطقهم، وأغلب الخدمات عندهم متوفرة من ماء وكهرباء واتصالات، بالإضافة إلى أن كثير منهم يعمل في دوائر الدولة الرسمية ويستلم رواتبه منها.
وبغض النظر عن تقييم هؤلاء والحكم عليهم، لكننا سنلقي الضوء على أوضاع هذه الفئة من الشعب السوري، من خلال جولة سريعة قامت بها «جريدة زيتون» في أغلب تلك المحافظات لتحكي شيئاُ من قصصهم وكيف يعيشون.
العاصمة المحتلة:
من دمشق كبرى المدن السورية والعاصمة التي حشد النظام فيها الكثير من القوات لحمايتها، على الرغم من أن أغلب أريافها القريبة تقع في أيدي المعارضة، يقول الناشط داوود الدمشقي لزيتون:damascus-54104b375f44b
«مدينة دمشق اليوم أشبه بثكنة عسكرية من كونها عاصمة، ففي المدينة ما يقارب 800 حاجز عسكري، بالإضافة إلى تمركز قوات النظام في الأماكن الاستراتيجية المطلة على المدينة، والجديد أنه منذ عامين تقريباُ بدأ الإيرانيون بالتغلغل والاستيطان في المدينة، ويحاول أغلبهم بتسهيلات من النظام، أن يشتري منازل ومحلات في دمشق القديمة في خطة لتغيير بنية المدينة الديموغرافية».
في زحمة تلك الحواجز في المدينة المزدحمة أصلاُ، وفي ظل ظروف التغيير السكاني الذي يسعى النظام له، تعيش فئة من الشعب رافضين ترك منازلهم وبيوتهم وأعمالهم مهما كانت الظروف، أبو أحمد من الميدان يقول لزيتون:
«لن أترك مدينتي فأنا لا أستطيع العيش خارج دمشق، على الرغم من أن النظام يحاول بالترغيب وبالترهيب جعلنا نترك بلدنا، فكل فترةٍ تأتيني عروض كثيرة لبيع منزلي لإيرانيين ويكون جوابي الرفض، وفي بعض الأحيان تأتيني تهديدات غير مباشرة لبيع منزلي ومازلت مستمراُ بالرفض».
أما أم عبد الله التي نزحت من يبرود لدمشق فتروي قصتها لزيتون:
« فقدت زوجي وإبني الأكبر في قصف قوات النظام لمنزلنا، وصرت بلا مأوى، جئت لدمشق مع أولادي لنعيش بها، فلا أستطيع العيش في المخيمات، وفي لبنان يذوق السوريون الذل في سبيل الحياة، الآن أعيش منزل أحد أقاربي في دمشق، ويعمل أطفالي كباعة جوالين في أسواق دمشق، وبالكاد نستطيع سد رمقنا، لكن بالرغم من كل الضغوطات أنا أشعر أني عزيزة وفي وطني»
ولا ينكر الناشط «داوود» وجود فئة من تجار دمشق استفادت مما يجري في سوريا، وهي في الأصل تربطها علاقات مع النظام وضباط المخابرات، فترى أولاد هؤلاء يعيشون مترفين، يرتادون المطاعم والمقاهي الفاخرة، غير آبهين بما يجري حولهم في ريف دمشق، وكيف أن الناس تموت من الجوع، ويسكن هؤلاء أغلبهم في الأحياء الراقية في دمشق مثل أبو رمانة والمالكي، بل إن ما يجري زاد في ثرواتهم التي كسبوها من دم الشعب السوري، بحسب قوله.
عاصمة الثورة تقاوم للنهاية:
أما مدينة حمص والتي تقع وسط سوريا، فقد كانت أحيائها من أولى المدن الثائرة ضد النظام، واليوم تفرق أغلب أهلها في أصقاع الأرض، بعد الدمار الهائل الذي أحدثه النظام في أحيائها الثائرة مثل (بابا عمرو- الخالدية)، ويسعى النظام في سوريا بشكل واضح لاعطائها طابعاً طائفياً موحداً، خصوصاُ أنه يسكنها في الأساس عدد كبير من الطائفة العلوية المؤيدة لنظام

زينات وشقيقها ايمن بأحد الشوارع المدمرة في حمص (أ ب)

زينات وشقيقها ايمن بأحد الشوارع المدمرة في حمص (أ ب)

الأسد، وحسب ما يفيد الناشط أبو عبد الرحمن الحمصي فإن ثلث سكان مدينة حمص في الأساس هم من الطائفة العلوية وكانوا يتمركزون في أحياء «الزهراء- الأرمن- طريق الشام»، ولكنهم اليوم استولوا على عديد من منازل أهل المدينة الذين تركوا بيوتهم خشية القصف والقتل في أحياء مثل «الدبلان والغوطة وبعض أحياء حمص القديمة»، ورغم ذلك آثر عدد من سكان حمص البقاء فيها على الرغم من الضغوطات الأمنية وظروف الحصار، خصوصاُ في حي الوعر.

ويقول الناشط «جلال» من حي الوعر الحمصي لزيتون:» إن الاتفاق الأخير الذي تم برعاية الأمم المتحدة لم يطبق منه سوى الشيء اليسير، ومازلنا نعاني من نقص شديد في الأدوية والأغذية الأساسية، كما أن الاتفاق معرض للانهيار في أي لحظة لأن النظام لم يلتزم حتى الآن ببند الإفراج عن المعتقلين، والبالغ عددهم حوالي الثمانية آلاف شخص موثقين بالاسم، ولكن الأهالي رغم ذلك لا يريدون الخروج، لادراكهم أن بيوتهم وأملاكهم ستؤول لسكان حمص العلويين في حال خروجهم»
قبلة النازحين:
أما مدينة حماة والتي أصبحت قبلة النزوح داخل سوريا، حيث نزح إليها الكثير من أهالي حمص وحلب والرقة وإدلب، ويقدر عدد سكانها اليوم مع النازحين بحوالي 3 مليون نسمة، بعد أن كانت حوالي 800 ألف في بداية الثورة، وتقع المدينة بالكامل تحت سيطرة قوات النظام، وعلى الرغم من عدم تواجد أي نوع من أنواع المعارضة فيها، إلا أن النظام مازال ينشر الكثير من الحواجز والدوريات في المدينة، والتي تحولت إلى مرتزقة تقوم بمشاركة الناس في كل أرزاقهم.

1555466_524338554331297_1008219554_n

عدسة: ابو البراء الحموي

يقول الناشط براء الحموي:«الوضع في حماة أصبح لا يطاق، فعناصر الحواجز وضباط

أفرع الأمن يشاركون الناس قوتهم، فكل محل يجب أن يدفع مبلغاُ مقابل الحماية، كما أن عملية الترفيق (وهي مرافقة عناصر من قوات النظام لأصحاب السيارت التي تحمل البضائع لأجل حمايتها مقابل مبالغ مالية)، صارت لابد منها لمن يريد العمل بالتجارة، أما الناس البسطاء كالموظفين وأصحاب المهن الحرفية، صار همهم أن يستطيعوا العيش فقط مع الغلاء الموجود في المدينة».
«أبو عمران» موظف في أحد الدوائر الرسمية تحدث لزيتون:» رغم كل الظروف وكل الظلم، آثرت البقاء والمحافظة على عملي كي أعيش أنا وعائلتي، لكن الغلاء الموجود شيء لايحتمل فراتبي 26000 الف ليرة سورية أي 52 دولار فقط وأسعار كل شيء تقاس بالدولار، حتى صرنا نشتري الخضراوات بالحبة، فأسعار الكيلو غرام لأغلب الخضراوات يتراوح بين 300 و600 ليرة سورية، أما اللحم فقد أصبح من الأحلام بعد أن صار سعر الكغ 3000 ليرة سورية، ولكن مع ذلك أفضل البقاء والحياة في الخارج ليست أفضل من هنا، فعلى الأقل أنا أمتلك منزلاُ وعملاُ هنا».
ولا يفوت النظام فرصة لذل سكان حماه، فهو لم ينس تلك المظاهرات التي خرج بها أهل مدينة حماة، وتجد الكثير يتلقون هذه المذلة مجبرين على الصمت لأنهم لايرون في الخارج وضعاُ أفضل لهم.
يقول المثنى الناشط من حماة: «رغم عدم وجود أي نوع من أنواع المعارضة للنظام في المدينة إلا أن حملات الاعتقال مستمرة للشبان، والنظام مستمر بإذلال الناس على الحواجز، ويستغل أي فرصة لقهرهم، فلا يضيع فرصة دون أن يخرج الناس في المسيرات التي يسميها عفوية مهدداُ الموظفين ومتوعداُ إياهم، كما جرى منذ يومين عندما أخرج طلاب المدارس والموظفين للابتهاج بانتخابات مجلس الشعب، وأعرف أناساُ منهم قتل النظام اقرباؤهم أو اعتقلهم»
صمود في معقل سيطرة النظام:
أما اللاذقية التي يعيش أهلها في احتكاك دائم مع مؤيدي النظام، فهم يرون قاتل أهلهم بعيونهم دون أن يفعلوا شيء، ويستميت النظام في تهجيرهم من بيوتهم كي تكون المنطقة خاضعة لسيطرته بالكامل، سيما أنه يعدها معقله الأخير فيما يسمى «الدولة العلوية».
قمر شهدا الناشطة الحقوقية من اللاذقية تتحدث عن الوضع قائلة:095962_2009_06_20_21_47_51
«تشاهد اللباس العسكريّ في كلّ مكان، ربّما تصدمك اللهجات العراقيّة واللبنانيّة والإيرانيّة والروسيّة وغيرها، وستقرأ فوق صدور الجنود وعلى أكتافهم أسماء الكتائب المتعدّدة (صقور الصحراء، نسور الزوبعة، الدفاع الوطنيّ، حزب الله، أسود الحسين، كتائب أبو الفضل العبّاس، الفرقة الرابعة، الجيش الروسيّ…) ولن تستغرب إنْ طالعك وجه أفغانيّ أو شيشاني..!».
لم يتبق في اللاذقية من الطائفة السنية والمعارضين للنظام سوى الكبار بالعمر، أما فئة الشباب بين الـ 18 إلى 30 عاماً، يندر أن تراهم، فالنظام لاحقهم بالاعتقال ثم بالطلب لخدمة الاحتياط، ما اضطرهم للهروب من المدينة تاركين كل شيء ورائهم، أما كبار السن فيرون أن الخروج من بلدهم بعد أن تقدموا في العمر مشقة كبيرة لهم، ومما زاد الأمور سوءاُ إغلاق المعابر مع تركيا وطلب الفيزا للدخول، فأصبح أشبه بالمستحيل الخروج من المدينة.
وقد جرى تحول في الأوضاع بعد سيطرة قوات النظام على سلمى في ريف اللاذقية وتواجد الروس فيها، فقد زاد النظام من قبضته الأمنية في المدينة وبات يلاحق الشباب بكثرة، وزاد ارتياح المؤيدين وبدأت الحركة والنشاط تزداد في المدينة، وافتتحوا العديد من المشاريع الجديدة، وحتى النازحين من حلب للمدينة والذين كانوا يسكنون في المدينة الرياضية بدأ النظام بترحيلهم إلى حلب رغماُ عنهم».
ويصمت الكثير من أهلها ويصبر على الذل حفاظاُ على ماتبقى لهم من أولاد وأهل، فيضع الحاج فؤاد صورة الأسد الأب والابن في صدر محله التجاري، رغم أن ابنه قتل تحت التعذيب، ويجيب عن ذلك بالقول:»هو مات لكن بناتي أحياء وأريد الحفاظ عليهن».
بلد النشامى بين النظام والتنظيم:
أما دير الزور، فلها قصة أخرى حيث يتقاسم النظام وتنظيم داعش حصار المدنيين الموجودين في الأحياء التي تقع تحت سيطرة النظام، الحصار الذي الذي مضى عليه ما يقارب العام.
يقول الناشط نشوان الحسين من دير الزور لزيتون: «يسيطر النظام على أحياء «البغيلية والجورة والقصور وأجزاء من حيّي الجبيلة والموظفين في غرب المدينة وحيّ هرابش شرقها»، وأغلق تنظيم داعش منذ أوائل العام الفائت كافة المعابر التي كان المدنيون يخرجون منها أو يدخلون عبرها الخضراوات، ثم شارك النظام داعش بالحصار فأصدر محمد خضور قائد عمليات النظام، قراراُ يمنع الأهالي من الخروج من مناطق سيطرته ثم تم تعديل القرار بمنع الشبان بين سن 19 والـ 50 من الخروج».20160127230633
وتحول الخروج من المناطق المحاصرة لمصدر لجمع الأموال من قبل قوات النظام، فتقاسمت الفروع الأمنية الرشاوى والمبالغ المالية لأجل الخروج أو إدخال المواد الغذائية، حيث يفيد نشوان أن رئيس فرع أمن الدولة يحتكر وارد بئر «الهبّاش»، مصدر الوقود في مناطق النظام، والذي أصبح معروفاً باسم بئر «دعّاس»، نسبةً إلى رئيس الفرع «دعّاس علي».
أما فرع الأمن العسكري واللواء خضور فيحتكرون رشاوى الحصول على الموافقة للخروج برّاً. وتجني المخابرات الجوّية الأموال من الخارجين عبر الطيران، إذ كانت طائرة الشحن (اليوشن) تحطّ في مطار دير الزور العسكريّ بشكلٍ يوميٍّ قادمةً من دمشق، تحمل العساكر والذخيرة والسلاح، أما بعد الحصار فقد استخدمها بعض التجار المتعاونين مع النظام لنقل المواد الغذائية وبيعها للأهالي بأسعارٍ فاحشة، مقابل أربعمئة ألف ل.س لكل طنٍّ تدفع للضباط.
كما كان الأهالي يدفعون مبالغ طائلةً مقابل الخروج من مناطق النظام عبر الطيران، إذ تراوحت تكلفة سفر الشخص الواحد بين (25-150) ألف ليرة سورية، ومنذ توقف طائرة اليوشن عن الهبوط في المطار العسكريّ، بسبب السيطرة النارية لداعش على المدرّجات، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكلٍ فاحش.
وفي حديثه عن الخدمات يقول نشوان أن المشافي الموجودة أصبحت بلا دواء، كما تعاني المنطقة من انقطاع في خدمات الاتصال والكهرباء والماء، ويزيد تنظيم داعش الأمر سوءاُ، اذ قامت في العام الفائت بنشر قناصين على أطراف النهر المقابلة لمناطق النظام، وزرعت ألغاماً في طريق البادية، وصارت تعتقل كلّ من يهرّب المواد الغذائية أو يحاول الدخول إلى تلك المناطق، فأحرقت عدّة سياراتٍ كانت تقلّ أشخاصاً يحاولون الدخول، وصادرت عدداً من الشاحنات كانت تحمل مواد غذائية، ومنذ ذلك الحين انخفضت نسبة المواد المهرّبة يومياً إلى مناطق النظام إلى كمياتٍ لا تكفي احتياج عشر عوائل، وبالطبع نتج عن ذلك غلاء جنوني في أسعار المواد الغذائية، والمدنيون هم من يدفعون الضريبة»
تتشارك كل المدن التي تقع تحت سيطرة النظام نفس الظروف ولكن بنسب مختلفة، ومن يعيش فيها سوريون مغلوبون على أمرهم، ومن الخطأ الكبير اعتبارهم موالون للنظام أو مشاركين له، وسيبقون اليوم وغداً سوريون وسيعيشون مستقبلاً مع أبناء المناطق المحررة، هم جزءاُ كبيراُ من شعبنا وأهلنا، فليس السوري فقط هو من يعيش في المناطق المحررة.