أنا على دين كنجي غوتو

10425008_1593055127576288_410174526348100867_n

أروى جلبي

إيلاف

ذهب كنجي غوتو، الصحفي الياباني، إلى سوريا ليعرف قصص السوريين ويخبر العالم عن معاناتهم. علاوة على ذلك، حاول  أن يساعد السوريين بما يستطيع من تأسيس مركز لتعليم الأطفال السوريين على استعمال الكمبيوتر ودورات تصوير لنشطاء حلب. كل ذلك في الظروف الصعبة والخطيرة التي تعانيها حلب. كان كنجي يعرف خطورة ما يفعله ولكن هذا لم يثنه عن مشاركة السوريين محنتهم مرة تلو المرة، في زياراته إلى أخطر أماكن الصراع في العالم حتى وقع بين براثن أشباح الليل في منطقة الرقة السورية. وبعد مفاوضات فاشلة قرروا أن يضحوا به لآلهة الموت التي يعبدونها.
الرحمة لروح الساموراي الشجاع والعار لقتلته الجبناء. والسؤال الذي يلح في طرح نفسه هو لماذا وضع هذا الصحفي الياباني حياته على المحك لمساعدة أناس لا يتشارك معهم بعرق أو دين أو لغة أو قومية؟ لأن ما يتشارك معهم فيه شيء يتعدى كل هذه الأشياء وهو الإنسانية. الإنسانية التي لا دين لها ولا حدود. 
عندي صديقة تعرفت عليها عندما كنت أدرس في الجامعة. بعد انتهاء الفصل توطدت علاقتنا. كانت تحضّر الدكتوراه في الدراسات الدينية وكانت هادئة ولطيفة وناعمة في كلامها وكانت قد قضت العديد من سنوات حياتها وهي تبشر للدين المسيحي. طبعا الكثير من محادثاتنا كان يدور حول موضوع الأديان بحكم دراستنا. وصديقتي كانت معتادة على رؤية نوعين من المسلمين، نوع لا يقبل بأي انتقاد للإسلام ويعتبر أنه الدين الوحيد الحقيقي في هذه الدنيا، ونوع آخر يرى في الإسلام الشيطان الأكبر وسبب كل المشاكل التي تنهش في العالم العربي والإسلامي. ولأنني لم أكن في أي من الفريقين كانت أحاديثنا كثيرا ما تكون عن انتقاد الأديان وهل لها دور في العالم المعاصر وإن كان لها دور هل يجب فصله عن الحياة العملية وتخصيصه في إطار الروحانيات وأمور أخرى مشابهة لهذه التساؤلات.
محاولات صديقتي لإقناعي بالتحول لدين السلام والتسامح لم تكن مخفية بل على العكس كانت مصدر تندر ونكت بيننا. دعتني كثيرا للذهاب إلى كنيستها معها يوم الأحد وبسبب نفوري الشديد من كل أشكال وأنواع وألوان الوعظ بقيت أؤجل وأماطل وأعتذر حتى جاء يوم أحد لم أجد فيه عذرا فتأبطت ذراع صديقتي ومشينا نحو كنيستها. وفي طريق العودة سألتني “ما رأيك فيما سمعت؟”
“المتوقع” أجبتها.
“وكيف تعرفين ما يمكن أن يقال في الكنيسة؟”
“لأنني حضرت خطب عيد وجمعة كفاية في المساجد.”
“وكيف يساعد هذا على أن تعرفي الآخر؟”
“ماذا تعتقدين أن الإمام يقول في خطبه؟”
“أكيد ليس نفس الشيء الذي سمعتيه في الكنيسة.”
“الاثنان يستخدمان أسلوب الوعظ الذي عفى عليه الزمن والاثنان يقولان بأن دينهما هو الأفضل وأنك ستنجو إن اتبعت تعاليمه. والاثنان يرسمان على وجهيهما ابتسامة صناعية وهما يحاولان تعزيز وترسيخ خطيئة الآخر. كلها أمور لا تؤدي إلى خير الإنسانية بل إلى تفرقتها وخلق الكراهية فيها ولا أستطيع أن أجد الله في كل هذا.” ثم أضفت “هل تعلمين لماذا لا يجب أن تتعبي نفسك بإقناعي بأن أصبح مسيحية؟”
“لماذا؟”
“لأنني لا أريدك أن تصبحي مسلمة!”
وشرحت ولها وجهة نظري. فأنا أرى أن المسلم ليس فقط من يتبع الرسول محمد وإنما هي حالة من التوافق بين الإنسان والله والكون. وكل الأديان تعطي الآليات اللازمة لتحقيق هذه المعادلة، ويستطيع أي إنسان، إن أراد، أن يجدها في نفسه التي نفخ الله فيها من روحه مثلما فعل كنجي. هذا ما أفهمه عندما أقرأ الآية الكريمة “ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.” ولو كان معنى الإسلام يعني فقط من اتبع محمدا صلى الله عليه وسلم لما وصف الكثير ممن كانوا قبل وقت محمد بالمسلمين مثل حواريي عيسى عليه السلام الذين “قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون.” وعندما تقول للبعض إن اجتناب انتهاك الآخر والعدالة والإحسان هي ما يريده الله منا على الأرض يأتيك الجواب أن تنتظر لحظة ريثما يهرولون إلى كتبهم الصفراء ويقلبوا أوراقها ليجدوا إن كان فيها ما يؤكد هذه النظرية الإنسانية الكونية.
تماما كما حدث عندما أعدمت داعش الطيار الأردني حرقا بالنار. شيء ما في نفوس الكثير من المسلمين تحرك وعقولهم لم تتحمل منظر حرق إنسان باسم الله ولكن مهلا… لم يستطيعوا الانصات لهمس ضميرهم الحي، بل حكوا رؤوسهم، ماذا تقول النصوص؟ تراكض القوم إلى الرف الذي رصت عليه تلك الكتب وأخذوا في سحبها بسرعة والبحث فيها…أصابعهم تتحرك على الأوراق تبحث من أعلى الصفحة إلى أسفلها…ويقلبون الصفحات، حرق إنسان؟ حرق إنسان؟ ثم عادوا وعلى وجوههم ابتسامة كبيرة وتنفسوا الصعداء. الحمد لله لم يجدوا في كتب الحديث ما يدل على أن حرق الإنسان من أوامر ديننا الحنيف. وماذا كان ليكون رد فعلهم لو كان هناك شيء في تلك الكتب يؤيد حرق إنسان؟! فهناك بلا شك الكثير من الأشياء التي تنافي قيمنا الحالية في هذه الكتب. هل كانوا سيعودون ويقولون آسفون فنحن مضطرون لوضع ضميرنا  جانبا واتباع ما وجدناه عليه آباءنا في هذه الكتب؟ وهكذا نعيش مشكلة إن الإنسان خُلق للنص المقدس بدل أن يكون العكس هو الصحيح.
شعور الإنسان بانتمائه إلى إنسانية أشمل وأوسع من حدود هويته الضيقة واهتمامه بقضايا العدالة ووقوفه ضد الظلم هو ما يمكن أن يزيل الحواجز بيننا. عندما نبدأ بالبحث عن المشترك بيننا كبشر سنجد أنه أكثر بكثير من الأوهام التي نقدسها على أنها الطريق الأوحد إلى الله أو إلى الحقيقة. وصل الأمر في بعض التعليقات على أحد مقالاتي السابقة أن بدأ اثنان من دينين مختلفين يعيران بعضهما بجنتيهما. كل واحد أخذ بانتقاد جنة الآخر. أنت جنتك فيها نساء ومتع… أنت جنتك ليس فيها ما يُشتهى… أنت جنتك ليست لائقة… أنت جنتك مضحكة… وهكذا. أحب أن أقول لكم دعونا نترك ما بعد الحياة لما بعد الحياة. وبما أننا لم نصل إلى “هناك” بعد وما زلنا “هنا” فما رأيكم بأن نركز نقاشاتنا على كيف نحول جحيم كثير من الناس “هنا” على هذه الأرض الآن لحياة أفضل؟