“إحداث نقرة”

1920249_10204264257358465_8233753328853483857_n من المعروف للجميع أنّ السلطات السوريّة ومنذ الأشهر الأولى للثورة بدأت على يدّ ما عُرف آنذاك بالشبّيحة بممارسة عمليّات القتل الصادمة والموغلة في وحشيّتها، والتي لم تكن من متعارفات المنطقة على الأقلّ في الحديث من تاريخها كبَقر البطون والذبح بالسكاكين بذريعة العداء للطاغية وسلطته، أو المؤامرة التي تستهدف محور الممانعة والمقاومة المزعوم، وفي كثير من الأحيان ارتكبت هذه الفظاعات بحقّ نساء وأطفال وأخذت طابعاً انتقاميّاً، ومع ظهور التيّارات الإسلامويّة المتطرّفة بدأت تتصدر المشهد ممارسات لا تقلّ عنفاً وإجراماً من حيث النوع كالذبح بالسكاكين وفصل الرؤوس عن أجسادها وتعليقها، والرجم وآخرها فيديو حرق الطيّار الأردنيّ الذي أبهر به “داعش” العالم، ومع إخراج كلّ مسرحيّة للقتل بأداء صادم أكثر يبدأ البحث والتنقيب في سراديب النصوص لشرعنة ما حدث أو نفيه والبحث عن متجذّراته المرجعيّة أوّلاً في القرآن الكريم باعتباره كلام الله المنزّل، وإن لم يكن، ففي السنّة النبويّة، فإن لم يكن ففي ممارسات صحابته وتابع التابعين وصولاً إلى مؤسّسي المذاهب الفقهيّة ومن بعدهم وصولاً إلى فقهاء وأئمّة لم يكن لهم أيّ شأن من قبل أن يجتاح جراد التطرّف المنطقة. المهمّ أن تكون هنالك أيّ إشارة حتّى ولو ضمنيّة تبرّر هذه الأفعال، وبذلك يتمّ ترحيل المشكلة وإحالتها إلى مشكلة فقهيّة أصوليّة وسلفيّة، ويغدو وكأنّ القتل هو أمر طبيعيّ ومسلّم به، لكنّ الخلاف هو على الكيف، الأمر الذي يفرض على الكثيرين الدخول في سراديب النصوص ومتاهاتها رجوعاً إلى الخلف وباعتبار أنّ هذه النصوص لم يطرأ عليها أيّ زحزحة قيميّة في جوهرها منذ أن أُغلِق باب الاجتهاد، إنّما اقتصر الأمر على التفصيل في الشرح، وأحيانا شرح الشرح والتحايل على النصّ وتدوير زواياه بتقليصها تارةً وتوسيعها تارةً أخرى، وذلك حسب راهنيّة اللحظة في حينها ومتطلّبات الحالة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وحتّى تدخّل السلطات بما ترتئيه أنّه ضميرها أو مصلحتها وأحياناً هواها، كلّ هذه الأسباب مجتمعة، وأسباب حياتيّة أخرى والتي كانت تقتضي تطويراً بنيويّاً للنصّ إن لم نقل كسره، ولكنّ ذلك لم يحصل خوفاً من مسّ أو حتّى لمس شحنة القداسة المحمولة على النصّ من قِبل المستسهلين النصيّين، هذا ما جعل النصّ مركزاً لعدّة دوائر عنكبوتيّة من السهل والصعب الدخول والخروج إليها ومنها بحلولٍ ظرفيّة عمليّة وواقعيّة وأسّس لذهنيّة نصيّة تتذرّع لتبرير فظاعاتها وجرائمها كمّاً وكيفاً، اعتماداً على أيّ نصّ ومَن كان كاتبه ودرجة علمه وعلومه وأهليّته ليكون مرجعاً يعتدّ به. كلام الله الموحى به إلى رسوله هو المقدّس، ولا يأتيه الباطل، ولكنّ من نطق به هو بشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) وحادثة تأبير النخل المعروفة وما تبعها من قوله صلى الله عليه وسلم (أنتم أدرى بشؤون دنياكم) وتباينت أراء صحابة رسول الله من بعده في تفسير كثير من الأمور، فلماذا يتمّ إضفاء طابع القداسة على كثير من شروحات واجتهادات المتأخرين، حتّى تكاد تصل إلى مرحلة التقديس وترتكب على هديه تلك الفظاعات والجرائم، أم أنّه الغلوّ الذي يلبس رداءه البعض كلّما ازدادت الأوضاع سوءاً ظنّاً منهم أنّ ذلك سيقرّبهم من الله أكثر وسيسعفهم بملائكة من عنده لتنصرهم على أعدائهم غير قارئين جيّداً لتجارب الماضي التي سبق وأن أوغل فيها أئمّة الأمّة وفقهائها، ولم يُكتب لهم النصر، أما آن الأوان (لإحداث نقرة) على قداسة بعض النصوص وبعض المرجعيّات؟ فإذا كان “ابن حنبل وابن تيميّة وابن عبد الوهاب وابن لادن” قالوا، فإنّ “الشاطبيّ وابن رشد وابن حزم، وأبا وليس بن زيد” كذلك قالوا. لماذا ولمصلحة مَن الإصرار على تصدير قفا الفكر الدينيّ، ووضع الحجاب على وجهه الأكثر إشراقاً.                                                                                                                

اياد الحسن