“في طريق الأذى” “يسري فودة” يتحدث عن المخابرات السورية

سب

في كتابه ( في طريق الأذى )، الصادر حديثا حول رحلتيه الاستقصائيتين بين أفغانستان والعراق حيث معاقل القاعدة وأحضان داعش، ينقل الإعلامي المصري (يسري فودة)، شهادته عن مخابرات نظام الأسد التي وقع بيدها بعد عودته من مغامرة العراق، صيف عام 2006.

يتحدث فودة عمّا واجهه مع المخابرات التابعة للنظام، منذ لحظة وقوعه في يدها، حتى السماح له بمغادرة سوريا عائدا إلى مكان إقامته في لندن، فيبدأ من الاعتقال قرب الحدود إلى الترحيل إلى القامشلي حيث الفندق المخابراتي، ثم اللقاءات المتعددة مع ضباط النظام، والتي اتسم بعضها بوقاحة التصرف معه، وأخيرا اللقاء الدبلوماسي قبل الترحيل، مع ” محسن بلال” وزير إعلام النظام سابقا.

في فندق المخابرات العفن!
ما لفت نظر فودة حسب شهادته، ذلك الفندق المهترئ في القامشلي، مكان استضافته مع معاونيه قبيل الترحيل إلى دمشق، حيث يصف الإعلامي المصري، كيف تم إدخالهم إلى الفندق بطريقة غير عادية عبر الباب الخلفي، إضافة إلى سرعة الإجراءات -غير المعتادة- ثم اكتشافه بالصدفة أن رقم غرفته يشابه رقم غرفة زملائه في الطابق الأسفل، حين أخبره أخبره أحدهم، أن ذلك لتسهيل عملية مراقبتهم عبر خط واحد من أسلاك المراقبة، حتى لا يخسر النظام أكثر، على توزيع الأسلاك في غرف متعددة فتزيد التكلفة، الأمر الذي وصفه فودة في كتابه “بالعفونة المخابراتية”، التي اتسمت بها مخابرات الأسد.

في مبنى المخابرات المخيف
لعل أبرز محطات شهادة فودة ، تلك التي رواها لحظة وصوله إلى دمشق، حيث تم أخذه ومرافقه إلى بناء ” ممل ” بحسب وصفه، ظهر أنه أحد مباني المخابرات التابعة للنظام،وهناك بدأت العيون ترقبهما ويسلمان من مخبر إلى آخر، حتى وصل لاهم مشاهد التحقيق الكلاسيكي الذي ينتهجه النظام.

يحكي الإعلامي المصري هنا، عن الضابط المتعجرف، الذي دخل مكتبه، راطما الباب خلفه، وصارخا به، “شووو هي؟! وكالة من غير بواب يعني، مافي استئذان، مافي احترام، مافي ترباية؟”.

يذكر فودة أن هذه الكلمات الجارحة، أحضرت إلى ذهنه، صورة المواطن السوري الذي يعيش في كندا، والذي تحدث في إحدى التحقيقات الاستقصائية، عن معتقلات النظام الأسدي، حيث الضرب والتعذيب والركل بالأرجل والتعليق بالسقف والجلد.

ويكمل فودة حديثه عن ذلك الضابط الذي هدده مرارا بما يستطيع أن يفعله معه من أساليب التعذيب، وكيف رد عليه بأن يوفر إهانته ويكتب محضره ليتواجها في محكمة العدل الدولية، وهو ما دفع الضابط لجنون من كلام فودة غير المعتادة بالنسبة لسطوته، لينتهي لقائهما بدخول ضابط أعلى رتبة، وأكثر ” دبلوماسية “.

وفعلا، يذكر فودة أن الضابط الجديد، ذو الابتسامة العريضة، بدا أكثر هدوءا من الأول، فراح يؤطر الحديث حول موقف النظام مما يجري في المنطقة، دون أن ينسى فكرة أن سورية مستهدفة، في حرب أمريكا على الإرهاب، وهي وجهة نظر النظام الدائمة منذ بداية الحروب الأمريكية في المنطقة، قبل أن يصل ممثل وزارة إعلام النظام، ليتحدث معه بشأن انتقاله إلى فندق فخم ليريح فيه قبل مقابلة محسن بلال وزير الإعلام في ذلك الوقت.

مع الوزير الدبلوماسي
في بداية الأمر اعتذر الوزير عن مقابلة فودة في الموعد المحدد أول مرة مساء، مؤجلا إياه لصباح اليوم التالي.

في مكتبه بوزارة الإعلام، استقبل محسن بلال وزير إعلام النظام سابقا الإعلامي المصري يسري فودة قائما من وراء مكتبه، وفاتحا ذراعيه بابتسامة عريضة كما يصفها الأخير، حيث كان بلال حديث العهد في منصبه كوزير للإعلام، وهو الطبيب البشري البعيد عن هذا الاختصاص.

ويروي فودة ما دار بينهما من حديث دبلوماسي وكأنهما يعرفان بعضمها من عشرين عاما محدثا أياه عن ذكرياته في بلاد الأندلس عندما كان سفيرا لسوريا في إسبانيا قبل أن يستدعى ليعين وزيرا.

ويذكر فودة أن هذ الاستقبال ما كان ليتم لولااتصالات مكوكية قامت بها إدارة قناة الجزيرة بدمشق في تلك الأثناء ،ليسمح له بعد ذلك بمغادرة دمشق إلى لندن.

ينتهي اللقاء بين الإثنين سريعا بدعوة من الوزير، ليبقى فودة أياما أخرى في دمشق على سبيل السياحة، إلا أنه رغب بالرحيل، طالبا التعرف على مصير حقيبته وشريط الفيديو الذي كان يحمله، ليظهر أن الفيديو لدى المخابرات للتحقق حسب التعليمات المخابراتية التي ذكرها الوزير مازحا ربما ليخفي ضعف سلطته في دولة المخابرات.

في النهاية، يتصور الإعلامي المصري، أن يكون مواطن سوري مكانه في ذلك الجو المشحون بالعنف، ماذا سيكون موقفه، بحال وقع بيد هذا العدد من ضباط النظام، كيف سيرد على الضابط الوقح، ليتقي شره القادم لامحال، كيف له أن يبعد عن نفسه أساليب تعذيب النظام التي يطول ذكرها.

اورينت نيوز