الحريّة لا تتجزّأ

عشتار

غائرٌ في دواخله، دفأه بردٌ وسلام، هو الجاني والمجنى عليه، دائم السطوة، جماليٌّ، ففتنته (منه وفيه).
غوايته لا يأتيها الباطل، بدؤه أرض وشمس وبذرة وتجليه حواء تتشكّل في رحمة رحمها الحياة.
قنواتُ تواصله ووصاله مع محيطه تزيد ثلاثة عن جسد نوعه الآخر لترسم مثلث حياة تتناسل من زاوية رأسه السفلى ضماناً وحفاظاً على الجنس والنوع
وزوايا قاعدته في الأعلى مسمطتان في الجسد الآخر ضمرتا حجماً وتبلدتا وظيفة، وسواء كانتا تراجعاً في ذات الجسد أو تطوّراً في الآخر فهنّ علامة فارقة بما تمكّ منهما الحياة في طورها الثاني لتواصل صيرورتها ونموّها.
جسدٌ شمسيٌّ في دفئه وقمريّ في هدوئه ودورة مواقيته، أُثِّمَ وأثَّمَ ذكوريّاً وأُخرج ذلك الأحمق من فردوسه كما اتهمه زورا، وها هو مرّةً أخرى يعاود غوايته ليخرج ذلك الصياد القاذف الأرعن من ظلمات كهوفه ومغاوره المبعثرة بين أدغال الغابات البعيدة بعد أن تأمّل مليّاً وخادعه باكتشاف الزراعة ليرغمه على الاستقرار وتحصيل قُوْته من فلحه وزرعه ويعمّر بيته وقريته ومدينته تأسيساً لحضارته.
هذا الناعم الهادئ المتأمّل الواثق من سلطته وسلطانه لا يعبأ بالمقدّمات ولا بماهيات الفعل وشكلانيّته المتأكدة القوة في كينونته.
يستنزف ولا يُستنزف في لعبة التوحّد والخلق
جسد هادئ بطغيان جماله الدائم والمستمرّ، متفوّق على ذلك مفتول العضلات
بركانيّ الطابع، الذي يحاول في اندفاعته أن يُخمد طغيان الأجمل بحجبه وإقصائه هو تحايل الضعيف النزق على القويّ الواثق، خديعة الذكورة لنقيضها تحت ألف مسمّى وقِيلٍ وقال، حجابٌ، نقابٌ، دينٌ وشرف، قبيلةٌ وعائلة، بالعقل تارةً وبالقوّة أخرى
باندفاعات نرجسيّة شبقة تحاول إخماد جذوة الجمال في صخبه وتستأذب في الوقت ذاته على مفاتنه بحماقةٍ ذكوريّةٍ قميئةٍ مكابرةٍ، بعد إشباع رغباتها وخانعة خاضعة دونها.
إرهاب يُمارس على الجسد للحدّ من قوةّ سطوة جماله وذلك بالحدّ من حرية جسديّته باعتبار أنّ الحرية أوّلاً وأخيراً هي حريّة الجسد، فالآدميّ كائنٌ متجسّد أوّلاً وحريته تتضمن حريّة كليّته جسداً وعقلاً ومشاعراً، والعلاقة بينهما تكامليّة زيادة أو نقصاً، فلا حرية لعقل دون حريّة جسد حاملَه، وحرية الجسد في ممارسة طقوس إغوائة بالكيفيّة والشكل الذي يقرره لحمه ودمه بعيداً عن أسئلة الثقافة والسياسة والدين، وترويض ما هو غرائزيّ في الجسد وأنسنته، يتحقّق بسدّ ذرائعه الجسديّة وليس العكس، دون ضغط أيّ نبالة من مفرزات نبالته المتأخّرة.
كلّ الحواس لها شبقها وتزدهر بغنى وبصخب المتغيّرات والمتجدّدات من حولها أثراً وتأثيراً وإثراءً.
أيّ عار أو عورة أو عوّارة، فيما أبدعه الله وما حدث به رسوله أنّه صفة من صفاته (إنّ الله جميل يحبّ الجمال)
وإذا لم يكن ثمّة ما يفصح الجميل به عن ذاته يصبح العالم أكثر قبحاً، والقبح بذرة نبتتها العنف، كما المحبة والسلام نبتة لبذرة الجميل.
ذكورٌ مخاتلون ما دئبوا منذ دهور يبحثون ويتباحثون يتناكفون ويتناقرون كيف يحلون مشكلتهم المستعصية مع النصف الأجمل؟
ولأنّ الأمر يخالف معطيات نواميس الطبيعة فقد أعياهم وأرغمهم على اللجوء إلى حلول الخائفين العاجزين وهو إقصاء الأجمل وتهميشه بالترويج للخوف منه وتنشيط مفردات تخدم هذه الحالة كالحظر وتفكّك القيم وخلخلة بنية مجتمع تعبوا في تأسيس ثقافته، لتخدم مصالح المذكّر على كافة الصعد، حتّى الشبقيّة منها، فلكلّ ديكٍ ما يستطيع من الدجاج بمبرّرات ومسمّيات مختلفة.
ولكي يتأتّى لهم ما أرادوا دنّسوا الجسد ورخصوه في محاولة واهية لخداع ذواتهم لا تلبث أن تُسفر عن زيفها وتسقط عند أول سفورٍ لهذا الجسد عن مشيئتهم ليحقق جسديّته وحينها يتداعى النشامى.. لقد وقع المحظور وحلّ العار، والتطهير واجب، وفيه الحلّ وهو قتلُ نبض الحياة في الجسد الآثم لاستعادة شرف القبيلة المهدور بنزوة جسد.
فأيّ ذكورة تلك التي تحشر شرفها في الجسد النقيض، والأنكى أنّها وفقاً لكلّ قيمها المعياريّة تعتبره الأدنى ويعاقب الجسد إرضاءً لقيم ذكوريّة أسّس وأدلج لها عبر تاريخ طويل لتصبح حريّة هذا الجسد خطيئة تطال المقدّس، ويأثم باقترافها أهل الأرض.
وبناء عليه تُحدّ وتتحدّد حرية الجسد لتقيّد حرية العقل، ويُغيب معنى الحرية باعتبارها معطى بيولوجيّاً، فمن لا يملك حريّة جسده لا يملك حريّة عقله، وبالتالي لا يمكنه أن يملك حريّته

إياد الحسن