بيتي.. حلم صغير دمرته البراميل

12387855_1530281670620177_213402963_n

زيتون – وضحة العثمان

ظل عبد الكريم يحلم بيت صغير في قريته بريف حماة, منذ أن بدأ قبل 32 عاماً بتدريس اللغة العربية, وراح ينسج الحلم حجراً على حجر, إلى أن اكتملت الحكاية حين بلغ الخامسة والخمسين من العمر.
و في طريقه إلى حلمه بامتلاك هذا المنزل، عاش مع أسرته محطات من التقشف والحرمان، لم يكن أقلها شراء الفواكه واللحوم مرة في الشهر, وشراء الثياب من البالة، حتى أن عبد الكريم، وكان يقول لرفاقه المدرسين ضاحكاً: يتوجب علي تغيير المدرسة كل عام، لأن تغيير المدرسة أسهل من تغيير الثياب بالنسبة لي.
تردي أوضاعه المعيشية، بالتزامن مع عدم قدرته على تأمين مستلزمات بيته من راتبه الذي يتقاضاه، كانا سبباً رئيسياً ليعمل بعد انتهاء دوامه، في محل لبيع الأدوات المنزلية، ورغم أنه أصبح مضرباً للمثل لأصدقائه إلا أن البسمة كانت نادراً ما تفارقه.
في الخامسة والخمسين من عمره، انتهى عبد الكريم من بنا المنزل، بعد أن أفنى عمره في بنائه، بنفس وصبر طويل في قطعة أرض زراعية يمتلكها والده على أطراف بلدة حلفايا، كل شي في المنزل كان متواضعاً، وأجمل ما فيه حديقته الصغيرة، لكن وبالرغم من تواضع مقتنيات منزله، إلا أنه اضطر الى تحمل قروض ما يزال يدفع أقساطها من راتبه التقاعدي، أملاً بأن يعيش ما تبقى من عمره في منزل يمتلكه، ويستطيع أن يحقق شيئاً من الراحة لزوجته، التي لم يصطحبها في نزهة منذ سنوات ولم يشتري لها هدية منذ السنة الأولى لزواجهما على حد قوله.
بعد أقل من سنة على انتقال عبد الكريم إلى المنزل الجديد، بدأت الثورة وبدأت معها رحلة النزوح إلى الحدود التركية، بعد رفضه الدخول إلى تركيا، منتظراً الفرج، حالماً بالعودة الى منزله.
بعد سنين طويلة من الشتات على الحدود قرر العودة إلى منزله، وقوبل قراره بالرفض من زوجته, بحجة أن البلدة تُقصف بشكل يومي، وعندما لم تستطع اقناعه بعدم الرجوع، اضطرت ان تخبره بالحقيقة المرة، وهي أن منزلهم وحلمهم الصغير أصبح كومة من الركام، وفي لحظة مر شريط الحرمان والتعب من سنوات عمره البائسة، وسقط على الارض وهو يبكي كالطفل الصغير، كان ينتظر انتهاء تلك المحنة ليعود الى بيته.
يقول أبو سليمان صديق الأستاذ عبد الكريم: لقد كان شخصاً قنوعاً وصبوراً ذو همة عالية وثقافة واسعة لا يقبل المساعدة من أحد، يعتمد على ذاته، يعيش بما يملك من مال، كان يعمل في فصل الصيف ناطوراً لكروم الفستق الحلبي مقابل أجراً، دون أن يخجل من القيام بأي عمل، يحب الجميع دائم الابتسامة رغم كل متاعب حياته، استطاع ايصال ابناءه لمستوى عال من التعليم والأخلاق الحسنة.
أما أحمد أحد طلابه فيقول: لقد حولني من طالب كسول الى متفوق، كان يزورني في المنزل ويعطيني الدروس دون مقابل، يستحق كلمة مربي بكل ما تحمله تلك الكلمة، وفي نهاية كل درس يحدثني عن منزله الجميل الذي ظل قيد الإنشاء لسنوات.
هذه قصة صغيرة تشبه آلاف القصص عند السورريين، ممن قضوا سنوات عمرهم بالتعب والحرمان حتى يمتلكوا منزلاً يآويهم وصغارهم في ما تبقى لهم من حياة، فضاعت أحلامهم وتعب أيامهم وتحولت منازلهم الى ركام، بسبب قصف الطيران، فلقد ودع الأستاذ عبد الكريم حياته دون تحقيق حلمه بالعودة الى منزله.

dfhnn

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*