أبناء الشهداء مسؤولية تهرّب منها الجميع

960119_428883270598838_6976455795155145511_n

أجسادهم النحيلة تفطر القلوب ووجوههم الصغيرة رغم براءتها تعكس صور الجوع والألم والخوف، خوفهم بدأ قبل أعوام ولا يزال مستمراً ككا بوس يصعب عليهم تحمله ولا تبدو نهايته قريبة. إنهم أبناء شهداءسوريا الذين لا يزال العالم يحصيهم كل يوم. أُجبر هؤلاء الأطفال على مواجهة أهوال الحرب التي صنعها الكبار فكان عليهم أن يشهدوا تدمير أماكن سكنهم وقتل ذويهم وأحبتهم ولم يجدوا في كثير من الأحيان من يرعاهم لأن الوصول إلى من تبقى من الأقارب كان مستحيلا أو أنهم اضطروا للمغادرة مع الناجين من أحيائهم إلى أماكن لميسمعوا بها من قبل.

لا شك أن اليتم في سن الطفولة هو من أصعب التجارب التي يمر بها الإنسان وهذا طبعا، في ظروف السلم حيث يستطيع اليتيم أن يعثر على قريب يكفله، أما وقد دارت رحى الحرب وأخذت تطحن الجميع كباراً وصغاراً فقد صار اليتم كارثة لا مجال لمقارنتها بأي شيء آخر. وتؤكد التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية حول أطفال سوريا أن “أكثر من خمسة ملايين طفل سوري تأثروا بالصراع الدائر في البلد وأنه ولغاية شهر تموز الماضي عبر ما يزيد عن 13 ألف طفل سوري الحدود بلا ذويهم وأن عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد الأبوين واضطروا للفرار إلى مخيمات اللجوء في دول الجوار تجاوز 300 ألف طفل”.

يحصي المهتمون بالشأن السوري أعداد الضحايا الذين يزدادون يومياً ولكن أحدا لم يستطع تقديم أي حل معقول للأزمة التي تجاوزت حدود البلد، لا بل إن الاستجابة لهذه الأزمة تبعث على السخط أحيانا. ففي قضية أبناء الشهداء مثلا هناك من أطلق عليهم اسماً جديداً “لقطاء” وعلى الصعيد الدولي نسمع نداءات بعض المنظمات التي تدعو إلى “التبني” كحل لمشكلة هؤلاء الأطفال. وفي نفس الوقت لا تقدم المنظمات الدولية أو المحلية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية أية حلول حقيقية تلامس احتياجات ومتطلبات معيشة الأطفال وتأمين حقوقهم في المسكن والملبس والتعليم وغيرها.

قبل أيام صرح القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي لصحيفة “الوطن” أن الأطفال الذين فقدوا ذويهم في الحرب ولم يبلغوا سن التمييز بعد هم “لقطاء” رغم كونهم ولدوا من أبوين شرعيين وذلك لأنهم لا يستطيعون تذكر نسبهم ولم يستح القاضي المذكور من الحديث عن ازدياد أعداد “اللقطاء” نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد. أمعن النظام في قتل السوريين وتفنن في تدمير المدن والأحياء فوق ساكنيها ولم يتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم، لكن القاضي المعراوي يفتي بجريمة من نوع آخر هذه المرة، وهي إلغاء نسب طفل قتلوا والديه أمام عينيه بحجة أنه لا يميز نسبه.

أم محمود-36 عام نزحت مع بعض أقاربها من حمص عام 2012 إلى دمشق تقول: “كانت والدة خالد جارتي في حي جورة الشياح وفي نيسان 2012 توفيت هي وزوجها بسبب قصف الدبابات للحي وبعد ساعات استطعنا الدخول إلى المنزل فوجدنا الطفل يبكي وحيدا، لم نفكرحينها سوى بالنجاة بأرواحنا لذا أخذناه معناولم نفتش عن أوراق في منزله المدمر ثم هربنا إلى دمشق، وهو الآن يعيش مع أبنائي كأنه واحد منهم لكني لم أستطع إرساله إلى المدرسة لأنه لا يحمل أية وثائق تثبت نسبه أوشخصيته”.

وفي مخيمات لبنان يعيش آلاف الأطفال السوريين ممن فقدوا أحد الوالدين أو كليهما، يتلقى هؤلاء الأطفال بعض المساعدات الغذائية من المفوضية العامة للاجئين ومن بعض المنظمات المحلية لكن مجمل ما يتلقوه ليس كافيا لكي يعيشوا حياة تليق بطفولتهم. فأغلبهم يعمل في سن مبكرة جدا لأنه وجد نفسه فجأة مسؤولاً عن بقية أفراد أسرته.

سالم-11 عام من مدينة القصير فرّ مع والدته وإخوته الصغار إلى لبنان واستقروا في مخيم الفيضة. لكن الحظ السيء رافق العائلة المنكوبة بوفاة الوالدة إثر مرض أصابها الشتاء الماضي وهو يقول: ” أختي عمرها سبع سنين وأخي ثلاث سنوات، أحيانا تبكي أختي لأني لا أعرف كيف أسرح شعرها وعندما نجوع أقوم بتحضير الطعام ولكني في كثير من الأحيان لا أعرف ماذا علي أن أفعل، وعندما تحضر لنا إحدى الجارات بعض الطعام المطبوخ نفرح كثيرا”. وتحدث الطفل عن المخاوف التي تراوده في الليل فقال: “أكثر شيء يخيفني هو البرد لأن أمي ماتت بسببه ورأيتها وهي ترتجف ولم أستطع فعل أي شيء”. تثقل الهموم على قلب سالموتزيد من مرارة يتمه هو وإخوته.

قد يصعب القول أن أحداً في العالم لم يتأثر بمحنة الأطفال السوريين، لكن البعض فقط هم من حاولوا فعل شيء وأما الغالبية فقد اكتفوا بالتعبير عن رغبة يائسة في المساعدة وفي هذه الأثناء هناك من يرى في الأزمة فرصة يتصيدون من خلالها الأطفال لكي يتم تبنيهم من قبل عائلات ترغب بذلك. ولا يهتم هؤلاء كثيراً بالعنف النفسي الذي يمارسونه ضد الأطفال من خلال فصلهم من جديد عن بقية الأسرة وتغيير البيئة الاجتماعية والثقافية التي اعتاد الطفل العيش فيها.وقد دفع إلحاح بعض المؤسسات العاملة في هذا المجال لتسهيل عمليات تبني أطفال سوريين من دول الجوار، بالسيدة كريس فاس-نائبة الرئيس في مؤسسة “الخدمات المسيحية” في ميتشيغان للتصريح بأن: “أعداد الأطفال السوريين ممن لم يعد لديهم عائلة صار ضخما جداً، لكن ذلك لا يعني أن يسيل لعاب المؤسسات العاملة في مجال تبني الأطفال وعليهم انتظار سنوات ربما حتى يتغير القانون السوري ويسمح بذلك”.

في تركيا-غازي عنتاب يمكنك التعرف على المئات من المنظمات الدولية والتركية المحلية والسورية من المهتمين بالشأن السوري ولكن اهتمامهم لم يتجاوز هدايا العيد لبعض الأطفال أو ربما هدية نقدية أو عينية كل بضعة أشهر. وهناك في تلك المدينة أيضا يمكنك رؤية بعض من يدعون قيادة الثورة ويطالبون العالم يوميا وعلى جميع المنابر بالتضامن مع الشعب السوري والاستجابة لمحنة أطفاله، لكنهم لا يشعرون بأي خجل من تشغيل طفلة سورية لم تتجاوز الخامسة عشرة كخادمة في بيوتهمبحجة تقديم يد العون لها ولأسرتها.

مها الخضور