الكذب

erggregiegjregjirejgijgrejgrejgirjfdgkfdgkjdfdvb

لن أكذب في الكتابة وأعرّف الكذب فلا حاجة البتّه لتعريف الكذب، وأعتقد أنّ كلّاً منّا قد عايشه أو مارسه بنسبة ما على الأقلّ في طفولته، ويُعتبر من أكثر وأخطر الأوبئة الاجتماعيّة التي تعشعش وتتفشّى في أغلب المجتمعات إن لم يكن فيها كلّها.
وتتناسب نسبته طرداً مع حالة القمع والاستبداد المفروضة على مجتمع ما على كافّة الصعد الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وعلى الصعيد الفرديّ يجد الفرد نفسه مرغماً على الكذب عندما تُحرم غرائزه الأوّلية من تلبية احتياجاتها باعتباره المشكّل الأوّل والرئيس لعضويّته، والصخرة الأكثر صلابة وهي القادرة على التآمر على العقل ومفرزاته المعياريّة.
وباعتبار أنّ المجتمعات المستبدّة تعمل على قمع هذه الغرائز لأسباب مختلفة فمن الطبيعيّ أن تضغط هذه الغرائز على عقلها وتنزع لتلبية احتياجاتها، وحين لم يكن مشرّعاً لها ذلك وفقاً لمنظومة القيم والأعراف المسيطرة والمعمول بها اجتماعيّاً، فإن هذه الغرائز سوف تتآمر على العقل وترغمه على الكذب لتلبية احتياجاتها.
ومن حيث المبدأ فإنّ جميع الشرائع السماويّة حرّمت الكذب، وكلّنا يذكر الحديث الشريف أنّ المسلم قد يسرق وقد يزني ولكنّه لا يكذب واعتبره من الآثام الكبيرة.
وكذلك الأعراف الاجتماعيّة، ويبدو ذلك من أمثالها الشعبيّة:
(إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجا)
والكلّ يعرف قصّة الراعي الكذّاب والتي ينطبق على ما يقوله أرسطو:
(الشيء الوحيد الذي يوصل إليه الكذب هو فقدان المصداقيّة حين تكون صادقاً)
ولا يهون على أيّ شخص أن يوصف بالكذّاب، ولا يرغب أحد أن يكذب لا لشيء، لأنّه يدرك على الأغلب – إن قربياً أو بعيداً – سينفضح أمره فذاكرته لابدّ أن تخونه كما يقول «إبراهام لنكولن»:
(ليس لأحد ذاكرة قويّة بما فيه الكفاية لكي تجعل منه كاذباً ناجحاً).
وعندما يكذب أحد ما فإنّه يكذب أوّلاً على ذاته ومن ثمّ على الآخر، وقد يكون الكذب فعلاً وليس قولاً، فالكثير من الأطفال يتظاهر بالبكاء لينجو من تعنيف يتوقّعه في البيت أو المدرسة.
وللبيئة التي تحتضن الفرد منذ طفولته أثراً بالغاً في تنشئة الطفل على الرديء من الأخلاق، وأردؤها الكذب، فكثيراً من الآباء والأمهات لا يدركون مدى تأثير كذبهم في أشياء قد لا يعيرون لها بالاً ويعتبرونها بسيطة وتافه ولا يمكن أن تثير انتباه الصغير، في حين يكون لها تأثيرها البالغ في جعل أطفالهم يتربّون على الكذب وعبارة (طفل ما بيفهم) التي يتمّ تداولها في الأوساط الشعبيّة هي من أخطر وأسوأ ما يُقال في حقّ الطفولة.
إنّ عدم تفهّم وتلبية حاجيّات الأدنى حسب التسلسل الاجتماعيّ المتعارف عليه والمفروض في مجتمع ما وقمعها تجعل هذا الأدنى مرغماً على ممارسة الكذب، وقد يلجأ أحدهم للكذب، وذلك تلبية لنزعات نفسيّة ذات جذر عقديّ
فالنرجسيّ يكذب ويخادع لتحقيق نزعته المرضيّة من أنانيّته وتعظيم ذاته.
وقد يكذب أحدهم من أجل أن يظهر بمظهر العارف أو الوقور وما إلى ذلك من صفات يفتقدها ويحبّ أن تُلصق به،
وقد يكذب التاجر من أجل الربح وبالنسبة للسلطات المستبدّة فإنّ الكذب هو أحد أهمّ مواصفات أجهزة الإعلام الرسميّة التي تعمل على تسويق إيديولوجيا الاستبداد وإظهار المستبدّ بما ليس فيه من المواصفات وإضفاء هالة من القداسة على شخصه وتحويله إلى بطل منتظر في كلّ معاركه.
وكثيراً ما يلجأ الطغاة من الساسة إلى الكذب لتمرير أهدافهم، فعندما أراد «هتلر» أن يبرّر أمام شعبه غزوه ل «بولندا» عمد إلى مجموعة من جنوده وجعلهم يرتدون الزيّ العسكريّ البولنديّ والتُقِطتْ لهم صور وهم يطلقون النار في هجوم على الجنود الألمان، وهذا عادة ما تفعله عصابات السلطة السوريّة في تفجير أو قصف بعض المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وتاريخيّاً فإنّ أوّل من سوّق لذلك وزير الدعاية السياسيّة النازيّة في عهد «أدلف هتلر» هو «بول جوزيف غوبلز» وهو صاحب الشعار الشهير:
(اكذب حتّى يصدّقك الناس) والذي عُرف بحقده وكرهه للثقافة والمثقّفين مثلها كمثل كلّ السلطات المستبدّة والتي تدرك أنّ المثقّف هو خصمها الأوّل والأخطر، ولذلك تسعى إلى كسبه وجعله خادماً لها بتقديم المغريات له، وإن لم ينصاع لإرادتها فيتمّ تهميشه أو إقصاءه بالإبعاد أو السجن وحتّى بالقتل، وباعتبار أنّ الثقافة هي البحث عن الحقيقة قبل أيّ شيء، ومهما كان الثمن، فإنّ المثقّف الحقّ لا يمكن أن يكون كاذباً ولهذا كره «غوبلز» الثقافة والمثقّفين وهو القائل ( كلّما سمعتُ كلمة مثقّف تحسّستُ مسدّسي) وفي رواية أخرى (كلّما سمعتُ كلمة ثقافة).
وأخيراً هنالك ما يُعرف بالكذب الأبيض، وليس هنالك جزم بمصداقيّة هذا التوصيف، فقد يبدو أنّه غير مضرّ لبعض القضايا، ولكن بالتأكيد الثقافة لا يمكن أن تماري في هكذا أمر (من يعتقدون أنّ الكذب الأبيض لا ضرّ منه يصابون قريباً بعمى الألوان) «أوستن اومالي» ويُعامل الكذب في بعض المجتمعات المتحضّرة بما يشبه الجريمة حيث يسجّل في السيرة الذاتيّة ويلحق الضرر في كثير من مناحي حياته.

أسعد شلاش