بلاد الرعب أوطاني

8b03a9e20f174f057d417d073482b4db

زيتون – أسعد شلاش

بعد أيام على خروجي من المعتقل، دعيت لحضور حفل زواجٍ في مدينة أخرى، من أحد أصدقائي الذين كانوا معي في المعتقل، أثناء الحفل أخبرني صديقي أنه كان في دمشق منذ عدة أيام لزيارة عائلة أحد أصدقائنا الذي ما يزال معتقلاً، وقد أخبرته العائلة أن صديقنا المعتقل قد سألهم في زيارتهم الأخيرة إن كنت (أنا) قد زرتهم في منزلهم كما كنت قد وعدته فعلاً عندما كنا نبكي ونودع بعضنا ساعة خروجي من المعتقل.
هذا السؤال جعلني أشعر بالأسى والخذلان لصديقي، وكتكفير على تقصيري قررت أن أتوجه في اليوم التالي إلى دمشق بدلاً من العودة إلى بلدتي، وما شجعني أكثر أن صديقي صاحب الدعوة سوف يذهب إلى دمشق لقضاء بعض شؤونه مرة أخرى، فقررت مرافقته للوفاء بوعدي.
ترجلتُ من سيارة صديقي في أحد ساحات دمشق ومضى ومن معه من الأصدقاء، توقفت بالقرب من موقف السرفيس حيث يقف الكثيرون بانتظاره أومأت لعدة سيارات تكسي لم تتوقف، الازدحام شديد هي ساعة الذروة، فجأة ركض جميع من كان حولي باتجاه واحد بشكل عفوي فركضت معهم وتملكني الهلع دون أن أعرف وجهتهم ولماذا يتراكضون ومما هم خائفون؟ هل هربوا من خطر يحدق بهم؟ لابد أن عناصر الأمن تطاردهم وتريد اعتقال أحدا منهم أو بعضهم وقد أكون من بين هذا البعض وأعود لأقبع في أقبية الأفرع الأمنية عدة أيام ريثما يتأكدون من براءتي، ما زلت أركض وأستدير برأسي بين لحظة وأخرى للوراء عل بصري يقع على من يطاردنا، فجأة توقف الجميع وراحوا يتزاحمون للصعود إلى السرفيس، توقفت التفتُ للوراء لم يكن أحد يطاردنا وجميع من ركض كان هدفه أن يصل إلى السرفيس ليصعد قبل الآخرين عله يجد مكاناً له ويرتاح من هذا الازدحام، أما أنا وحدي كان خوفي هو من طاردني، خوفي من هواجس رجال الأمن من الاعتقال ثانية، خوفي من مجهول يسكنني يتغلغل في كل مساماتي يلاحقني في الوحدة والزحمة، لم أستطع احتباس دموع خوفي تنحيت جانباً توقفت مسحت دموع خوفي تمنيت أن أنفجر.. أتبعثر، أتمزق علني أتخلص من خوفي المستبد بكل مكوناتي ويغادرني دفعة واحدة، فالخوف موت الروح والعقل والبقاء على جسد يؤدي وظائفاً بيولوجية وبأية آلية سأتابع العيش والإصرار على الحياة إذا كان خوفي قد وصل إلى هذه الدرجة من الشدة وتخطى مرحلة الخوف ليصبح هلع، وهل وحدي من يسكنه هذا الخوف؟ أم أنه يحاصر كل هذه الجموع من حولي وإن بنسب متفاوتة.
في السيارة التي ستوصلني لبيت صديقي رحت أسترجع الخط البياني للخوف والذي يبدأ من البيت خوفاً من الأهل وعقابهم الفظ على كل ما يسلكه الطفل من سلوك مغاير للأعراف والقيم السائدة حوله حتى قبل أن يتعرفها ويقيمها، ثم يرتفع الخط البياني بذهاب الطفل إلى المدرسة من مدرسين يفرغون فيه كل عقد نقصهم دون أدنى مراعاة لطفولته وإمكانياته، ويتابع الخط البياني لخوفه الارتفاع ليصل إلى خدمة العدم وما يقاسيه فيها من إذلال وامتهان لآدميته، تبدأ بالمسبات والشتائم وتصل إلى الضرب والعقوبات الجسدية الأخرى وكلها بحجة بنائه جسدياً وعقلياً ليكون قادراً في الدفاع عن الوطن، ويصل الخط البياني عند البعض ذروته بزجه في أقبية الأمن ومعتقلاتهم، بذريعة أن رأيه المخالف هو خيانة للوطن.
فهل هذه الجموع الخائفة بدرجات متفاوتة هم مواطنون أم مخوفون؟ وهل هم في وطن أم وطى؟ وإن كانت الرأسمالية قد حولت الإنسان إلى صرصور، فالى أي كائن حولته مجتمعات الطغيان والاستبداد المبنية على الخوف؟.. «قد تكون الإجابة عند السيد كافكا».

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*