الثورة في سراقب

تظاهرة-سراقب-1

تقع مدينة سراقب إلى الجنوب الشرقي من مدينة إدلب, يبلغ عدد سكانها 40000 نسمة, وتمتد على 17000 هكتار, الى الجنوب من حلب 50 كم عنها.
تتربع على عقدة وصل إستراتيجية, وتربط أربع محافظات سورية حلب وإدلب واللاذقية وحماة وهذا ما أعطاها موقعاً استراتيجيا غاية في الأهمية.
أقدم ذكر لها في كتب التاريخ يعود إلى المؤرخ عبد القادر النعيمي الدمشقي المتوفي سنة 978 للهجرة في كتابه الدارس في تاريخ المدارس حيث يذكر أن برسباي الناصري والي حلب توفي فيها سنة 852 للهجرة.
يحيط بسراب ريف مترام الأطراف يصل إلى ثلاثين قرية ويبغ تعداده 44000 نسمة.
تعد الزراعة المصدر الاقتصادي الاولى لأهالي سراقب باعتبارها المركز لمنتجات ريفها وعلى عائدات المغتربين التي نشطت في الستينات من القرن الماضي ولا سيما إلى دول الخليج وقد أثر ذلك انفتاحا على ثقافتهم.
سياسيا تتواجد في سراقب اغلب التيارات الفكرية وقد اكتوت بأحداث الثمانينات. 542282_251381601649190_436237905_n
ما إن دقت أجراس الثورة في الجنوب حتى تداعت سراقب وريفها لترديد السجع الخالد, فسُجّلت أول مظاهرة لها في 25 -3-2011, انطلق به فئة قليلة جداً من أبناء سراقب وريفها, مثّلت تلك الحادثة الانطلاقة الأولى لكرة الثلج التي ما فتئت بالتدحرج حتى صهرت في بوتقتها أغلب أهل سراقب وبدأ المتحيزون للنظام بالانكفاء على أنفسهم, تم اقتحام سراقب بحملة أمنية ضخمة في آب -2011 اعتقل فيها ما يقارب 250 شخص وحاصرها من جهاتها الأربع أملاً منه بفصل سراقب عن ريفها بعد أن أصبحت سراقب في يوم الجمعة متنفسا لجموع غاضبة من المدينة وريفها, الأمر الذي حفز تلك المنطقة على التمترس خلف أحقية قضاياهم إلا أن الفصل بين سراقب والريف تم, وبدأت القرى تجتمع بشكل دوري في قراهم عوضاً عن سراقب مارس الطاغية كل أنواع القتل والقمع, فمن اعتقال إلى رصاصة إلى قذيفة إلى عبوة لاصقة إلى صاروخ إلى..
أجبرت البراميل أهل سراقب على النزوح الجزئي أو الكلي وهنا لا ينكر فضل الريف الذي فتح لإخوته أبوابه وقاسمهم خبزه وشاركهم أجرهم وصبرهم.
يبلغ إجمالي ما قدمت سراقب من شهداء 700 شهيد من مدينة سراقب وحدها, اضافة الى ما يقارب السبعون معتقلا من أبناء المدينة كثير منهم يدخلون تحت بند المختفين قسرياً, لا يعرف معظم أبنائهم أهم أيتام أم يحق لهم الانتظار؟
ازدهرت وتألقت الحياة المدنية بداية الثورة في سراقب لتشهد حراكا مدنيا راقيا تمثل بمسرحيات ونشاطات مبكرة ابتكرها نشطاءها وشبانها تهدف لتثبيت دولة مدنية منشودة قبل أن تبدأ بالخفوت لاحقاً لأسباب سنتطرق لها فيما بعد, ومن رحم هذه التنوع ولدت عدة مظاهر تدلل على حياة المجتمع وغناه الفكري, شكلت حيطان سراقب متنفساً لمبدعيها رسموا وكتبوا عليها أحلامهم وخلدوا شهدائهم,ونشطت مظاهر حياة مدنية فمن المنتديات كالمنتدى الثقافي الاجتماعي ونشاطاته المسرحية التي سراقبأعادت إلى الحياة ألقها في أعين الأطفال وأنستهم شيئاً من سواد الموت النازل من السماء, إلى التجربة الأولى لانتخابات المجالس المحلية في 1-1-2013 وتقبل الفكرة مجتمعيا, أضف إلى ذلك راديو ألوان الذي بث برامجه من قلب سراقب وقد تأسس في نيسان 2013، كما لم تخلو الثورة في سراقب من الكثير من الأغاني التي كتبت لشهدائها وغنت في المظاهرات على يد أبنائها، وقد ازدهرت فيها الصحف والمجلات المحلية التي تنافست في الوصول إلى القارئ بما تطرحه من أفكار ومعلومات تلامس هموم القارئ المحلي كجريدة زيتون وجريدة زيتون وزيتونة المخصصة للأطفال التي انطلقت في مرحلة مبكرة من الثورة يطبع منها آلاف النسخ ولا يزال الطلب على نسخها متجدداً.
أبت المرأة في سراقب إلا أن تضع بصمتها واضحة في الثورة فعندما كان الرجال يخرجون للتظاهر تصعد الأمهات شرفات المنازل لتنثر الأرز على رؤوسهم تزغرد وتبارك وتهلل .
ومن المظاهر البارزة على بصمة المرأة في سراقب المدرسة العطائية التي تُعنى بتدريس وتدريب النساء بالإضافة إلى تعليم الأطفال وقد تأسست هذه المدرسة في الشهر الأول من عام 2012 على يد الشهيد قاسم حماد, ومن أهداف هذه المدرسة محو الأمية عند السيدات وسد الفجوات التعليمية ودفن أمية التفكير من خلال تسليط الضوء طرائق التوعية البشرية ومن المشاريع التي قدمتها هذه المدرسة ( مشروع المرأة ثورة فكر ونهضة وطن ).1239944_241446256012753_1025990078_n
وقد تطوع بعض أبناء سراقب في الدفاع المدني للدفاع عن إنسانية الإنسان بغض النظر عن انتمائه وولاء وجنسه, عملهم تحت القصف يسرعون الى المكان الذي يهرب منه الناس لينقذوا أرواحا وأطفالا تحت الركام.
أما فيما يتعلق بالحياة العسكرية فقد تطوع الكثير من أبناء سراقب وريفها للدفاع عن المظاهرات في بداية الثورة عندما كانت تُنتهك حرمة المظاهرات من قبل قوات الأسد فكان لهم دور بارز في طرد الجيش من سراقب وفك الحصار عنها في الشهر 11- 2012, كما كانت لهم مشاركات في أريحا وحماة وخناصر وغيرها, إلا أنه ومع مرور الزمن وتسلق بعض المتثورين وبروز العنصر الاجنبي في الكتائب المقاتلة بدأ العسكر يهيمنون على الحياة المدنية ولا سيما من الراديكاليين وكانت العناصر المدنية في سراقب تنتظر من جبهة ثوار سراقب الذين كان معظم أفرادها من السكان المحليين أن يكونوا درعاً لهم من الراديكاليين إلا أن انحياز الجبهة إلى تلك القوى قلل فرص الحياة المدنية في الاستمرار بعد أن ازدهرت قبلاً, ومن أبرز تجليات هذا الانكفاء المدني تمكن تنظيم الدولة من 12520_1461480247463170_7769693912438334190_nإحكام قبضته على سراقب لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر لا أحد يستطيع أن ينكر أنها فترة خلت فيها سماء سراقب من أي فعل مدني مما اضطر الكثير من دعاة العمل المدني إلى الهجرة أو العمل في السر.
وقد زاد في بعض الأحيان تغول بعض الفصائل في سراقب على الحياة المدنية ليتجاوزه إلى حياة المدنيين أنفسهم الذين صار أكبر همهم تأمين القوت اليومي، وشهدت البلدة في وقت مبكر بعض المظاهرات التي تطلب من الفصائل الانضباط تحت القواعد الأخلاقية العامة التي تفتخر بها البلدة والتمسك بأخلاق الثورة.
وبالرغم من كونها مدينة وأن تاريخها ضارب في القدم إلا أن سراقب ليست المدينة الفاضلة فهي ما زالت تفكر في عقلية القرية فالعصبية العائلية مازالت تجد لها مكان في تفاصيل حياتها كما تنتشر فيها لغة التخوين واتهام الآخر بالعمالة واللصوصية على الرغم أن المتهَم والمتهِم لا يُنكر جهده وما قدم للثورة. 531786_142156679305100_1422883685_n[1]
وبناء على ما تقدم عجزت سراقب عن إيجاد توجه واحد وقيادة موحدة وما يتبع ذلك من بقائها محتاجة وغير قادرة على الانفصال عن اقتصاد النظام فمازال طحينها من النظام ورواتب موظفيها من النظام.
وفي الختام نأمل أن نكون قد اقتربنا من الحقيقة في تقديم سراقب لكم بغثها وسمينها, سراقب العظيمة التي وبالرغم مما يعتريها من أخطاء لم تكلّ عن تقديم الغالي والنفيس في سبيل دعم عجلة الثورة من دمائها و من أموالها.

وعلى التاريخ ألا ينسى هذه المدينة التي أيقن أهلها بأن الموت لن يصيب إلا من جاء يومه وحتى تاريخ كتابة هذه السطور مازال أهالي سراقب يخرجون من بيوتهم كلما اقتربت الطائرة ليعودوا الى حياتهم بعد ما تفرغ حمولتها وكأن شيئا لم يكن فالشهيد يدفن والجريح يُسعف والصانع يعود إلى صنعته فقد آلت سراقب على نفسها ألا ترفع السواد وتبقى تناضل في يمينها الحياة وفي شمالها الأمل.

سلام خاطر 

Bv_c3MtIUAArJf4 images (1)10845939_1604758513085961_4661669402343100682_n 10858002_1584310791787382_1347488930140698270_n