سورية بين رؤيتين

11021182_894810437238040_4195120697000098670_n

أمام حالة الاستعصاء التي آلت إليها حالة القوى المتصارعة- في وعلى–سورية، وبعد مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة وعجز أيّ من الفرقاء على حسم الصراع عسكريّاً لصالحة، وتدخل حزب الله عسكرياً الابن الشرعيّ لدولة وليّ الفقيه في إيران التي تتوق لاستعادة حلم صفويّ قديم تحت عباءة الإسلام الشيعي.
وتصنيع»داعش»وتصديرها كمنظّمة إسلاميّة سنيّة متطرّفةإلى الحدود القصوى، والسرعة القياسيّة التي مُنحت لها في إنشاء دولتها على مساحة من أراضي العراق وسورية ليتمّ بعدها تشكيل التحالف الدوليّ لمحاربة الإرهاب وتدخل الميليشيات الطائفيّة العراقيّة تحت مسمّيات مختلفة والمطعّمة بمقاتلين حوثيّين وأفغان وملل أخرى، وكلّها على حساب الدم السوريّ، وعليه فقد أصبحت سورية ساحة مفتوحة لكلّ القوى الإقليميّة المتصارعة وأمام عجز نظام الطاغية عن الإمساك والتحكّم بقيادة الميليشيات الإقليميّة المناصرة له، والتي تتلقى أوامرها مباشرة من الحرس الثوريّ الإيرانيّ.
كان من البداهةأن تكون لهذه القوى اليد الطولى في التحكّم بمجريات الوضع الميدانيّ، وما حضور قاسم سليماني ليقود المعارك بنفسه في المنطقة الجنوبيّة في الوقت الذي يسعى فيه «ديميستورى» لتخدير الجبهة الشماليّة إلّا دليلاً سافراً على أنّ سورية أصبحت دولة محتلة من قبل محتلّ خارجيّ، وأصبح كلّ مؤيّد لنظام الطاغية هو بالضرورة مؤيّد لغازٍ ومحتل خارجيّ ومتنكّر وخائن للوطن والأمر ذاته لايختلف على كلّ من يؤيّد «داعش».

وإذا كانت القوى العالميّة وعلى رأسها الإدارة الأمريكيّة قد أعطت الضوء الأخضر لإيران بأن تتمدّد في اليمن وسورية مقابل تسوية ما في الملفّ النوويّ الإيرانيّ كما يرتئي البعض، فهذا يعني أنّ الحلف الإيرانيّ سيهدّد الأردن من خلال حدودها معه، والتي هي من أهم الحلفاء المقرّبين للإدارة الأمريكيّة والتي تعتريها مخاوف قديمة من هكذا هلال شيعيّ كان الملك الأردني قد حذّر منه منذ سنوات عديدة عن ما يمثله هذا المحور من مخاوف لدول مجلس التعاون الخليجيّ مجتمعة، وخاصة بعد أن امتدّ هذا الحلف إلى اليمن وأصبح على حدود المملكة العربيّة السعوديّة الدولة الأهمّ في دول هذا المجلس والحليفة الأولى والأهمّ للإدارة الأمريكيّة في المنطقة.
ثمّ هل تأمن إسرائيل أن يصبح الهلال الشيعيّ على حدودها الشماليّة وهي العارفة أكثر من غيرها أنّ السياسة مصالح وقوّة قبل أن تكون اتفاقيّات ومعاهدات من تحت الطاولة. وبعيداً عن الجنوب ففي الشمال الجارة التركيّة والتي من الواضح أنّ لها مشروعها في المنطقة والمتمثّل في خلق كتلة سنيّة بزعامة وأهداف حزب العدالة والتنمية والتي وإن تقاطعت مصالحها الاقتصاديّة مع إيران في وقت ما، فهي تاريخيّاً تشكّل العدوّ الأهمّ والأخطر على دولة الملالي بالمعنى الاستراتيجيّ، هذا ولا يغيب عن الإدارة الأمريكيّة أنّ حلف الملالي ومن لفّ لفّه تلتقي مصالحهم في المنطقة مع مافيا «بوتين»هذا لجهة مَن يرى أنّ هنالك تفاهماً ما بين الإدارة الأمريكيّة وإيران.
وفي الجهة المقابلة التي يرى مَن يدّعون أنّ سكوت الإدارة الأمريكيّة عمّا يجري في المنطقة إنّما غايته هو استنزاف جميع الأطراف، والتي هي جميعها في نظر الإدارة الأمريكيّة أطراف شريرة إن كان ما يتمثّل بدولة الملالي وأتباعها من نظام الطاغية وعصابات حزب الله أو إن كان في «داعش» وكلّ الكتائب الأخرى التي تصنّفها الإدارة الأمريكيّة بمنظّمات إرهابية. والتحرّكات التي شهدتها المنطقة مؤخّراً بعد أن أعلن الرئيس الأمريكيّ»باراك أوباما» في مؤتمر مكافحة الإرهاب من أنّ (مَن يدعم الإرهاب في المنطقة هما الرئيس العراقيّ الأسبق نوري المالكيّ والرئيس السوريّ) والرسالة التي وجهها الأمير القطريّ إلى «أوباما» لا تخرج عن هذا الإطار، وكذلك ما صرح به الرئيس الأمريكيّ بعد اجتماعه مع الأمير القطريّ من أنّه (لا يمكن أن يسود الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط إلّا برحيل بشّار الأسد) وأنّه سيواصل دعم المعارضة المعتدلة).
والزيارة التي قام بها الملك الأردنيّ إلى المملكة السعوديّة والتي أعقبتها زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كذلك إلى السعوديّة.
قد يكون لكلّ هذه الأحداث بُعداً آخر علّه يحمل في طيّاته ولو بصيصا من الأمل لموقف دوليّ مختلف، وتبقى كلّ الاحتمالات مفتوحة، وقد لا تلد كلّ هذه الجبال إلّا فئراناً وتظلّ محرقة الشعب السوريّ مستمرّة ويبقى هو مَن يدفع ضريبة صراعات ومصالح إقليميّة بعيدة عن أهداف ثورته.

أسعد شلاش