الفنان التشكيلي السوري “ممدوح قشلان”

10492041_1455285854719116_2700398407100918565_n

يصعب على المرء أن يقارن بين صورة أيّ إنسانٍ وبين أعماله الفكرية والفنيّة, والطريف في المشهد أنّك قد تجد مفارقة كبيرة بين بسمته الوديعة التي لا تفارق وجهه الخجول وبين بريق عيناه اللّتان تقدحان لمعاناَ وذكاء, يكلمك بصوته المنخفض وينصت إليك باهتمام, حتى لتظن أنه يتلقى منك معلوماتٍ ودروسٍ يسمعها لأول مرّة في حياته، وهي صفة قلّما يتحلى بها مثقفونا في الآونة الأخيرة.
لكنه وبلحظة سريعة نجد أنفسنا وقد خطفت أنظارنا الألوان المتمددة على أسطح اللّوحات المعلقة هنا أو المتكئة على أسفل الجدار هناك, بينما يتحوّل نظرنا ويتجـوّل ليستقـرّ بشكل لا إرادي على اللّوحة المتصدرة وسط منصب الرسم «السيبا» وبجوارها مسطّح الخشب الإهليلجي وفوقه كثافات وخلطات من الألوان الزياتية الزاهية.
نحن إذاً في مرسم الفنان الكبير”مـمـدوح قـشـلان”.
انّه لا يحب الإطالة في الكلام عن نفسه أو سيرته الشخصية, لذلك تجده يختصر الإجابة عن كل سؤال, بينما لو سألته عن هذه اللّوحة أو تلك من لوحاته فإنّه يسهب ويشرح, ليس لغموض في موضوع لوحاته وإنما لطبيعته التي نشأ عليها كمدرّس للتربية الفنية التي عمل فيها موجهاً أولاً في وزارة التربية السورية لعقود من الزمن.
وفي هذه الحالة ينسى نفسه ويستمر بالتوضيح وكأنه يعطيك درساً في التذوّق الفنيّ أو بالطريقة المثلى لقراءة العمل الفني مستفيداً من حركة أصابعه التي لا تهدأ وهي تصدر الإشارات والتوضيحات اللّازمة وكأنها تتكلم.
درس الفنون في روما الايطالية حتى عام 1957وعاد الى وطنه ليغرس وليؤسّس مع أقرانه طليعة الفنون التشكيلية ويشترك معهم في تأسيس نقابة الفنون الجميلة وصالة عرض لإنتاج الفنانين جميعاَ ولتكون حاضنة للخريجين ولهواة الرسم والنحت وعموم أنواع الفنون التشكيلية والتطبيقية.
وقد تم انتخابه رئيسا للنقابة لعدة دورات متعاقبة كما أنّه اختير ليكون نائباً لرئيس اتحاد الفنانين العرب.
في فترة تحصيله العلمي وتخصصه في ايطاليا حمل معه انطباعه الشرقي وثقافة تمتد لآلاف السنين من تراث وطنه, ومزجه مع الحداثة والتقدم الغربي فكان مؤثراً.. ومتأثراً.
واختطّ لنفسه أسلوبا يمزج فيه بين المدرسة التكعيبية وينفذها بموضوعات محليّة مستمدّة من الريف السوري والتراث الشعبي, كما اهتم بلباس المرأة في قرى الغوطة المجاورة لعاصمته دمشق واختزل رسوماته بلوحات زاهية لا تبتعد كثيراً عن الألوان الأساسية القليلة العدد, وكان يستعين بالألوان المتجاورة لإظهار الظل والنور ولا يعتمد على مزج اللّون الواحد بالأبيض أو الأسود للإظهار ذلك, بل كان يتوصّل الى عمق اللوحة ببعدها الثالث من خلال تجاور الألوان المدروسة بعناية للوصول الى تحقيق العمق في اللوحة وغوص بصر المشاهد فيها..
وبنظرة سريعة الى لوحة الأم مع أطفاله الثلاثة نلمس بوضوح عمق اللّوحة ويغوص نظرنا مع بعدها الثالث من خلال تجاور الألوان وانكساراتها بطريقة تشعرنا وكأنّها منحوتة من الحجر الملوّن.10432144_1538354226412278_8709864719204852076_n، ويظهر ذلك بشكل واضح في وجه الطفل المحمول على ظهر أمّه والأيدي وهذا نموذج عن المدرسة التكعيبية في الفنون والتي تعتمد مبدأ الهندسة في الخطوط المستقيمة والمنحنية لتشدّ نظر المتأمل ولتشعره بأنّ الأشكال لها ( ستة وجوه كما لو أنها مكعبة) ولها حجم وليست مرسومة على سطح اللّوحة الملساء .لقد اهتم بحواري دمشق القديمة وبأشكال مآذنها وقناطر مساجدها, كما رسم حلقات الدبكات الشعبية في الأعراس, وحلقات الأذكار عند المولوية الصوفيّة وأغناها بألوانه السّاطعة وحرص على تجاور شخوصها غير أبه بالتفاصيل التشريحية لجسم الإنسان أو للمنظور الهندسي الواقعي إلا نادراً.
أما لوحاته الوطنية فكانت شغله الشّاغل فرسم ملحمة فلسطين التي تعبر عن نضال الشعب الفلسطيني البطل كما وكانت موضوعاته تواكب الأحداث السياسية في الوطن العربي كله, لذلك فقد توازعت لوحاته قاعات المتاحف في القطر وفي عدد كبير من دول العالم كونها تمثل طريقة ومدرسة لها ميزاتها الفنية المتطورة.
لم يكن رساماً تشكيلياً فقط وإنما كان ناقداً فنيأ يكتب الزوايا الفنية للصحف والمجلات المحلية والعربية, كما وأصدر كتباً عديدة عن أشهر الفنانين السوريين, فضلاّ عن مؤلفاته لمناهج المعاهد المتوسطة والجامعات.

عبد الرزاق كنجو 

معرض صور للفنان ممدوح قشلان