العقارب تاكل ذاتها

زيتون – أسعد شلاش 

حامد صاحب البنية القوية والقلب الجسور والأطوار الغريبة كان يبدد ضجره في أوقات الفراغ الطويل والملل بإحدى هواياته وهي صيد العقارب.
حيث تحشدنا أثناء خدمة العدم لعدة أشهر في منطقة تكثر فيها العقارب، أما الأدوات التي كان يستخدمها لتحقيق هذه الهواية هي عبارة عن إبريق من النايلون يملأه بالماء وعود من الخشب يلتقطه من أي نبتة يابسة وإناء معدني، وكان متوفر حينها الكثير من علب حليب النيدو المجفف.
بفراسته يستدل حامد على جحر العقرب يدخل قسما من العود الخشبي في الجحر ثم يقوم بصب الماء فيه وما هي إلا ثوان حتى تصعد العقرب متسلقة على العود متفادية الغرق بالماء، يقوم حامد بسحب العود بسرعة من الجحر والعقرب ما تزال متمسكة به ويضربه على فوهة علبة الحليب أو يستعين بعود آخر ليسقط العقرب بداخل العلبة ولأن جدران العلبة ملساء تماما لا تستطيع العقرب التسلق عليها مهما حاولت.
يجمع حامد في كل مرة عشرات العقارب وعادة ما تكون بأحجام وألوان مختلفة منها السوداء والصفراء وما بينهما من تدرج الألوان وذلك حسب اللون الغالب على أرض وحجارة المنطقة المتواجدة فيها، ثم يتركها محشورة في العلبة تواجه مصيرها الذي نتأكد منه في اليوم التالي وهو نفوق العدد الأكبر منها وفي اليوم الذي يليه يبقى القليل، أما في اليوم الثالث فإن العقارب تنفق جميعها فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن العقرب تستطيع أن تبقي مدة زمنية طويلة دون أن تأكل أو تشرب وبالتالي فليس الجوع أو العطش هو ما أدى لنفوقها.
ومن المعروف أن العقارب بكافة أنواعها هي من مغصليات الأرجل التي لاتستطيع التعايش مع بعضها البعض بل على العكس تتصارع فيما بينها وتأكل بعضها هذا في الحالة الطبيعية ولما كانت التجربه تقول أن كل الكائنات الحية تصبح أكثر عدوانية إذا تغير مكانها وتزداد درجة عدوانيتها شدة طردا مع تغير شروط المكان وحيثياته فإن العقارب تكون عدوانيتها مضاعفة نظرا لطبيعتها في عدم التعايش مع بعضها، فعندما تجد نفسها في مكان ضيق ومحظور وغير قادرة على مغادرته تبدأ بلسع بعضها البعض وحتى ذاتها.
فالهيجان يفقدها صوابها وهكذا تبدأ ببث سمومها فيما بينها بشكل عشوائي بغض النظر عن الحجم والعمر واللون والعقرب التي يكون نصيبها العدد الأكبر من اللسعات أو تكون صغيرة الحجم وضعيفة البنبة تنفق أولا إلى أن تنفق جميع العقارب ويبقى العقرب الأخير ليجد نفسه ملكا يتربع على عرش من ضحايا أبناء نوعه ويظن أنه وحده من فتك بهذه الضحايا فتأخذه النشوة لساعات وهو يستمع بمنظر من هلك من بني نوعه، قبل أن تبدأ سموم الضحايا تفعل فعلتها في جسده الذي يبدأ بالتثاقل ويترنح رويدا رويدا، تنشل حركته، يتوقف على كومة من الضحايا لينفق ويصبح واحدا منها، يفرغ حامد علبة الحليب من العقارب النافقة وهو يبتسم ويقول في الليل وتحت جنح الظلام ستخرج العقارب الحية من جحورها لتلتهم كل هذه العقارب النافقة.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*