الضحكة البلهاء والذاكرة

20140629-2044011023658378

زيتون – بشار فستق
في محاولة مستمرّة لإزالة ذاكرتنا ولصق أكاذيب مكانها، وخلق عوالم مطواعة لتبرير كلّ ما يناسب خطاب السلطة الديكتاتوريّة، تُنتَج مسلسلات مثل “باب الحارة” بأجزاء ثمانية حتّى الآن.
القالب جاهز لمزيد من التمديد، أسلوب الإلقاء المبالغ به بحجّة أنّها اللهجة المحلّيّة، تعابير الوجه الجاهزة المزيّفة الشبيهة بالمكياج، تطويح الأيدي في الهواء، الأفعال السطحيّة المكرّرة، الوقوف كالفزّاعات، ذلك كلّه لزوم وحصيلة الأحداث الخاوية، وكلام مكرّر عن زواج أو طلاق، وحشر أسماء دول لشتمها أو مدحها مباشرة بطرق فجّة؛ يصبح غياب لغة الصورة الفنّيّة ضمن هذه المعطيات حتميّاً، كما بقيّة عناصر العمل كالموسيقى والإضاءة والديكور…
تراجعت المتابعة، رغم أنّ العروض في رمضان تحديداً تضمن كثافة عالية من المشاهدة، كما لاحظ المختصّون وغيرهم، ازدياد الأخطاء، وابتعاد الناس وسخريتهم، وحتّى اشمئزازهم منها، فالاجترار هي الصفة الأنسب لهذا التكرار.
مع كلّ هذا، تبقى الأجهزة الأمنيّة التي تضع الخطّة السنويّة للأعمال التلفزيونيّة مصرّة على إفراز هذه الموادّ في كلّ رمضان جديد. فمن وجهتها: القوالب جاهزة، والناس تعتاد الأشياء وتهضمها، وربّما تدمنها مع مرور الوقت، فتطلبها.
أمّا الكتّاب والمخرجون والممثّلون والفنّيّون، الذين يشتركون بهذه الأعمال، فغالبيّتهم يعتبرونها وظيفة تمنحهم المال، ولا يأبهون لمن لا يُعجبه أو يعجبه، ويهمسون فيما بينهم: (شو ما طبخت العمشا جوزها بيتعشا).
تكملة لهذه الفصيلة من الممارسات في تخريب الذاكرة الحقيقيّة، تأتي أعمال تصوّر – على حدّ زعمها – الواقع، فتركّب العلاقات بين الشخصيّات على أساس الخيانة والخديعة، كجوهر العلاقة الإنسانيّة، والمؤامرة هي محرّك الحدث؛ في سعيها لترقيع الخطاب الإعلاميّ – المخابراتيّ – السلطويّ. مثال ذلك مسلسل “صرخة روح” حين يبادرنا برجل يمارس الجنس مع زوجة أخيه، واليوم في الجزء الرابع يتنقل إلى لبنان – لدوافع إنتاجيّة – وتختلط الأمور، ولا يطفو على السطح سوى فخامة أمكنة التصوير وتوابعها، فيما يحاول المخرج إقناعنا بأنّ العلاقات الإنسانيّة الطبيعيّة غير موجودة، وأنّ كل ما يجري في العالم هو جزء من المؤامرات الكونيّة.
لا تُطالَب – عادة – الأعمال الدراميّة التلفزيونيّة بقيم فنّيّة وفكريّة كالمسرح والسينما، حتّى أنّ فريدريكو فيلليني (المخرج السينمائيّ الإيطاليّ الكبير، الذي أخرج فيلماً للتلفزيون) قال مرّة: “أكره هذا الجهاز – مشيراً للتلفزيون – إنّه مجرّد قطعة أثاث كالكنبه، ولا علاقة له بالفنّ”. لكن أن يُستخدم في تشويه رؤية وذوق مجتمع، فذلك أمر آخر، مارسه نظام أراد دائماً أن يقول: هذا شعب لا يفهم، وبالتالي لا يمكنه أن يقرّر مصيره، ولو أُعطي الحرّيّة فلن يقدر على الحياة، بل سيقتل نفسه، لذا فنحن نعرف مصلحته أكثر منه، وسنبقى الأوصياء عليه.
من هنا، يُلبس النظام القداسة للأعمال التلفزيونيّة الدراميّة والإعلاميّة، ولا يسمح بانتقادها جدّيّاً، فقد أصدر زهير رمضان (نقيب الفنّانين) كتاب شكر وتقدير وعرفان لسيّدِه بشّار الأسد، لدعمه الكبير للأعمال الدراميّة والإذاعيّة، وقد قُدّمت بأسلوب رائع ومعالجة دراميّة متميزة كما في كلّ موسم، بحسب كتاب الشكر، وعاهد (سيّده) مُهدّداً أعداء النقابة التي “لن تسمح لأحد مهما كانت صفته أو موقعه وضع العراقيل أمام عمل النقابة وأعضائها وأمام النجاحات التي تحقّقت”.
وأوضح النقيب زهير طبيعة الصراع، مكمّلاً نظريّة الأجهزة الأمنيّة والإعلاميّة في المؤامرة الخارجيّة بأنّ: “الحصار الذي فُرض على الدراما السوريّة من قبل بعض المحطّات لأسباب مختلفة، وأهمّها: السبب السياسيّ، لم يمنعها من متابعة مسيرة تطوّرها..”. وشكر النقيب الزملاء الفنّانين المشاركين.
ما دفع بعض أعضاء النقابة من المقيمين داخل مناطق النظام إلى السؤال: هل دور النقابة هو تقديم الشكر للزملاء الذين يعملون، والإنذارات بالفصل من النقابة للزملاء الذين لا يعملون، والذين لا يسمح لهم وضعهم المادّيّ بدفع ما يترتّب عليهم من اشتراكات للنقابة؟ والكلّ يعلم بأنّه من بين 1200عضواً في النقابة يعمل نحو 20؛ وما هي أسباب استبعاد وتغييب هذه الأعداد؟
وأطلق النقيب حكماً عامّاً ونظريّة متكاملة في كتابه التشكّريّ التهديديّ، وصف فيه الأعمال التي تُعرض في هذا الموسم الرمضانيّ جميعاً – وعددها 37 – بأنّها: “تعالج مختلف القضايا والمشكلات التي تهمّ المواطن والمجتمع، وقد قُدّمت بأسلوب رائع ومعالجة دراميّة متميّزة”. ومن أطرف ما جاء في كتابه، وما “بعث البهجة والسرور” هو شعور المواطن السوريّ الذي أحسّ به النقيب: “رضا المواطن السوريّ عمّا يُقدّم، وتفاعله مع ما يعرض، ومطالبته الدائمة بدعم الدراما السوريّة…”.
ويتوقّع الكثير من الفنّانين أن يُرفّع زهير رمضان من نقيب إلى رتبة عقيد أسوة بالعقيد سهيل حسن صاحب نظريّة العالم ونظريّة اللاشعور، على أن لا يصل لرتبة فريق أوّل كسيّده صاحب النظريّات العديدة حول المصطلحات والمفاهيم، والفرق بين وقف إطلاق النار والتوقّف عن إطلاق النار، وأخيراً، قيامه ببطولة فيلم فيديو بطريقة الكاميرا الخفيّة، عن فرحته ومفاجئته الدراميّة بلقاء وزير الدفاع الروسيّ شخصيّاً، وضحكته الإجراميّة البلهاء، التي يدعو السوريّون ربّهم خصوصاً في رمضان أن تختفي من ذاكرتهم، وإلى الأبد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*