“حكاية من المعرة”

13549191_1646955415627420_1086418541_o

زيتون – فلك الخالد

المعرة .. ليست حكاية أبي العلاء فقط، لأحفاده بعده ألف حكاية، حكاية لا أفق لها، حكاية أطفال ولدوا من قلب الثورة وترعرعوا في أحضانها، رضعوا حليبا مزج بدماء أطفال ماعرفوا اللهو ولا الأمان، منها حكاية الطفل المعتصم بالله وشقيقته الصغيرة هديل محمود المر أصغر طفلة مطلوبة من قبل أفرع النظام كان ذنبها أنها من جيل عشق الحرية وغنى لها غردت هديل للثورة وهتفت ضد الظلم ولم تتوان عن التظاهر لحظة واحدة حالها كما أهل المعرة الأحرار تندد بالطغاة بكل أشكالهم، حرصت مع أهالي بلدتها على المضي في سبيل إسقاط الأقنعة وكشفها منذ بدء الحراك الثوري السلمي كانت المعرة السباقة للتضامن مع باقي المدن السورية وكان نصيبها من الدمار ما لا يقل عن أية مدينة أخرى.
فما زالت طائرات الحقد تصب نارها على حارات المعري وتحصد أبناءه صغارا وشيوخا محاولة إطفاء صوت أحفاد المعري، لكن المعرة ستبقى ما بقي المعري وسيرحل الطغاة ويبقى صوت هديل الحمام يقارع هدير طائراتهم وينشد للسلام أنشودة البقاء بقاء المدن.
«عصومي» كما يحب أن يناديه الجميع، حكاية طفل من بين آلاف الحكايات، حكاية برعم لم يتفتق، ولد المعتصم بالله في 5-6-2013 احتضنته جدته بعد عدة أيام من ولادته وذلك بانفصال والدته عن أبيه، عانى الطفل من أمراض كثيرة وسهرت الجدة على أوجاعة واعتنت به إلى أن تعافى وشفي بعد أن كان والده قد فقد الأمل من شفائه.
كان «عصومي» ينمو ويكبر على سماع صوت هدير الطائرات وصوت هتافات أخته هديل الحمام تغرد بصوتها أهازيج النصر ويرفرف في فضاء بيتهم علم الثورة ويحلق قلب الصغير بألوانه.
وكم يزداد حزن الصغير عندما يذهب والده وهديل للتظاهر بدونه، ينتظر عودتهم مع جدته ليبدأ والده باللعب والمزاح معه واختلاق مظاهرة في عشه الصغير بغية إرضائه، يقول والده «محمود المر»: كان خوفي عليه هو ما يمنعني من اصطحابه للمظاهرات فتعلقي وهيامي به جعلاني لا أحقق له هذه الرغبة واكتفيت بخروجي مع هديل.
لم يكن يتوقع والد المعتصم بالله عندما كتب على صفحته صباح 9-6-2016 «غارة من الطيران الحربي على معرة النعمان اللهم سلم» أن أمه الحاجة شريفة المر وابنه المعتصم بالله كانا من ضحايا القصف على المدينة هذه المرة لم يكن يتوقع أن صاروخا بهذا الحجم أطلق لاصطياد عصفوره الذي لم يتجاوز سنواته الثلاث، لم يصدق أن جسدا نحيلا كجسد «عصومي» يحتاج لطائرة وصاروخ.
يتذكر الوالد المفجوع بفلذة كبده قول أمه عندما خرجت ذات يوم ولم تصطحب معها «عصومي» يقول: حينها حزن وعاتبها بمرارة قائلا: (أنت لست أمي أنت جدتي لو كنت أمي ما هان عليك تركي وحيدا) حينها اعتذرت الجدة منه ووعدته بأنها لن تتركه بعد هذه المرة أبدا وقالت جملتها (والله ياحبيبي لو رحت على الموت لآخدك معي) وها هي الآن بعد مضي أقل من شهر تفي بوعدها الذي قطعته على نفسها، فبعد أن اشترت قطع الحلوى للمعتصم بالله وما إن ابتعدا قليلا في الشارع حتى جاء صوت هدير الطائرة لم يعد يسمع الصغير صوتها كان صوت أخته هديل الحمام الأقرب لأذنيه، كان حنان جدته شريفة وهي تحتضنه يشعره بالدفء يمده بجناحين يحلق بهما في فضاء لا تصل إليه يد إجرامهم، حلق العصفور ومعه جدته، حلقا فوق طغيانهم فوق طائراتهم بعيدا ليرنو رافعا إشارة النصر أو الشهادة، ملقيا على عاتق أخته هديل الاستمرار وأن صوتها لا بد سينتصر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*