“جبهة النصرة” ومشايخ السلفية الجهادية: حرب في “تويتر”

438

يبدو أن “جبهة النصرة” قد أشهرت ورقة الطلاق بينها وبين بقية مشايخ السلفية الجهادية، المستقلين. كما يظهر أن مؤشرات خلافها “المنهجي” مع “حركة أحرار الشام” قد بدأت تلوح في الأفق، بعدما كانت علاقة “النصرة” مع “جيش الإسلام” قد وصلت إلى حدّ الاقتتال.

وأثارت تصريحات الناطق الرسمي باسم “جبهة النصرة” أبو عمار الشامي، حالة من الغضب لدى كثير من مشايخ السلفية الجهادية في سوريا، وأتت بعد يوم من بيان “النصرة” بخصوص خلافها مع “جيش التحرير” التابع للجيش الحر واعتقالها قائده محمد الأحمد الملقب بـ”الغابي”.

وشنّ الشامي هجوماً على أربعين داعية سلفياً كانوا قد وقعوا على بيان يدعو إلى تشكيل محكمة لحل الخلاف بين “جيش التحرير” و”جبهة النصرة”. وقال الشامي إن “دور المصلحين والمشايخ في ساحات الجهاد هو تقريب المسافات وتوحيد الجهود لا تشتيتها”. ورفض الشامي وجود قاض في المحكمة (لم يسمه) “يقول لنا سراً أن أحمد سعود عميل أميركي ثم تكون تغردياته خلاف ذلك، بل ويطلب أن يكون قاضياً في القضية”. وأحمد سعود هو قائد “الفرقة 13” التي حاربتها “النصرة” واعتقلت أفرادها، وصادرت سلاحها.

ويتضح من تغريدات الشامي في “تويتر” استياء “النصرة” من بيان “أهل العلم”، وكتب: “كنا قد حبسنا أنفسنا عن الرد على بيان طلبة العلم الذي صدر وقت السحور! كيلا نثلم سيفاً نحافظ على مكانته وتقديره في الساحة إلا أن سكوتنا فُهم عجزاً، وقلة حيلة أو ضعف حجة”. ووصف الشامي بيان المشايخ بأنه “أثار مشكلة أكبر مما صدر لأجله، حيث أنه كان بمعزل عن الأطراف المتخاصمة وواقع القضية، ولم يتخاصم إليهم أحد”. وسخر من المشايخ بالقول: “فمن يريد الإصلاح لا ينتهي دوره بمجرد التوقيع دون متابعة ما وقّع عليه وفهم ملابساته متابعة تقتضي بتهدئة الأمور لا جمع التواقيع”.

وكان 40 داعية سلفياً من “أهل العلم” قد وقعوا على بيان صدر في 4 تموز/يوليو، لتسمية لجنة شرعية مؤلفة من سبعة قضاة هم عبد الرزاق المهدي، وأبو الحارث المصري، وعبد الله المحيسني، والدكتور أيمن الهاروش، وأبو أيوب المصري، وأبو محمد الصادق، وأبو الصادق الحموي. ودعا البيان الذي أصدره المشايخ كلاً من “جيش التحرير” و”جبهة النصرة”، إلى “التحاكم لشرع الله، فإن رفضت إحداهما، فهي باغية. وإن رفضتا فهما باغيتان”. وأمهل البيان “الفصائل المعنية، اصدار بيان للقبول بالمحكمة الشرعية، في مدة أقصاها 24 ساعة من صدور البيان”.

“جيش التحرير” وافق على المحكمة بعد ساعات قليلة، وأصدر “مجلس شورى جيش التحرير” بياناً بقبول “المحكمة الشرعية التي أقرها أهل العلم”. وناشد أعضاء “المحكمة الشرعية” بالعمل على اخراج القائد العام لـ”جيش التحرير” من سجون “النصرة” كبادرة حسن نية. وردت “النصرة” بعد أيام على البيان، ببيان نشرته “المنارة البيضاء” (المؤسسة الإعلامية لـ”جبهة النصرة”) وجاء فيه: “مفهوم حاكمية الشريعة أوسع من أن يختزل في فض الخصومات بين المتنازعين. ومن هنا فقد وضعت جبهة النصرة في أولوياتها محاربة المشاريع المشبوهة وقطع الأذرع التي يسعى العدو من خلالها لسرقة ثمرة جهاد المجاهدين وإقامة أنظمة حكم تتناسب هواه من ديموقراطية وعلمانية”. واستدركت “جبهة النصرة” بأنها لا تقصد “كل من يتلقى الدعم، بل من تحول مشروعه من كونه ثائراً أو مجاهداً، إلى كونه عميلاً تابعاً لأميركا”. واتهمت “النصرة” قائد “الفرقة 13” المقدم أحمد سعود، بأنه “وضع مشروعه حيز التنفيذ”.

وأشار البيان إلى استياء “النصرة” من بيان المشايخ الأخير، في نقطتين: “فرض محكمة شرعية على الطرفين دون اخطارها، إضافة لوصف من لم يُجبهم إلى طلبهم باغياً. وتحديد مدة قصيرة للرد لا تتوافق مع دائرة اتخاذ القرار لدى النصرة بسبب ظروفها الأمنية”.

ورفض الناطق الرسمي باسم “جبهة النصرة” قبوله بكامل لجنة القضاة، واعترف بأن عدداً من الموقعين على البيان “تجمعهم معنا خصومة مسبقة”، من دون تحديد أي اسم.

وأشعل بيان “جبهة النصرة” وتصريحات الشامي، موجة استياء كبيرة، لأنها المرة الأولى التي تظهر فيها “النصرة” بموقف الرافض الغاضب. ولعل سبب غضبها يرجع إلى أن بيان القضاة قد ساوى بين فصيل أخر وبينها، وهي التنظيم “الرائد في الساحة الجهادية الشامية” بحسب وصف الشامي.

ويبدو أن أكثر ما أثار حفيظة “النصرة”، هو تجرؤ بعض المشايخ عليها وعلى سلوكها، وهي “المحصنة من الأخطاء”، وفرع التنظيم الجهادي العالمي، الذي يجب على الجميع تقديم الولاء له.

وبث الداعية السلفي عبد الله المحيسني، تسجيلاً صوتياً علّق فيه على بيان “النصرة” بالقول: “إن جل المشايخ هم ممن ترتضيهم النصرة ولإن نشرها (بيان القضاة) في الاعلام هو بمثابة اخطار علني”. وعن قصر المدة عزا المحيسني سبب ذلك إلى “حسن ظن المشايخ باخوانهم في النصرة وأن النصرة تصدرهم في كثير من الأمور”. وأشار المحيسني إلى أن كثرة المظلومية التي تنادى بها البعض من عناصر “النصرة”، وقولهم إن هناك “حملة تشويهية واسقاطية تستهدفهم”، ما هي إلا “شمّاعة تعطي الأفراد حصانة عن الحق”.

القائد العسكري في “حركة أحرار الشام” حسام سلامة، قال: “لم تقبل النصرة بالمحكمة المُشكّلة من الأفاضل”، ووصف بيان “النصرة” بأنه “إلتفاف على المحكمة، هذه الحقيقة التي لا يراها المتعصبون”. وكان سلامة قد طالب أبو مارية القحطاني، بالتدخل لحل الخلاف بين “النصرة” و”الفرقة 13″، قبل أربعة شهور.

وعلّق أيمن هاروش، أحد الموقعين على بيان إقامة المحكمة وأحد القضاة السبعة الذين اختيروا للفصل في القضية، بالقول: “سكتنا عن كثير من الأمور حرصاً على الساحة، وسنبقى ساكتين ما دام السكوت خيراً. فوالله لسلامة الجبهات وأمان الساحة أحب إلينا من تسجيل المواقف، فليتهمنا من شاء بما شاء فحيث نرى المصلحة للأمة وللساحة سنلتزمها سكوتاً أو كلاماً”.

وعلق الشيخ صالح الحموي، العضو السابق في مجلس شورى “جبهة النصرة” على بيان “النصرة” وحملة التخوين والتكفير التي تشنها “النصرة” بحق الفصائل التي تتلقى الدعم من غرفة “الموك”، بالقول: “كل من يقول بتكفير فصائل الموك لمجرد دخولها الموك فقد أتى بأهم أصل من أصول الخوارج وهو: تكفير ما ليس مكفر وجعله أصلاً كلياً”.

وغرد عبد الله المحيسني، حول اتهامات الناطق باسم “جبهة النصرة” بخصوص اعتداء “النصرة” على “الفرقة 13”: “موقفي من أحداث الفرقة 13 لم يغيّر من موقفي في قضية جيش التحرير.. أن هذه الفصائل مهما كان حكمكم عليها تقاضوا معها إلى محكمة شرعية ولتقض المحكمة بما يُريها الله وكلنا ننصر قولها”. وأضاف أن موقفه “كان النصح سراً والزيارات، فلما لم يجعل الله على يدي تغيير ما أراه منكراً. كان موقفي في جيش التحرير النصح علناً”.

وذكّر القيادي في “حركة أحرار الشام” خالد أبو أنس، “النصرة” بأفعال “داعش”، بالقول: “داعش اتهمت الفصائل بالعمالة وقاتلتهم. زادت حواجزها على الطرق وازداد بغيها. رفضت المحاكم إلا بشروط. ادعت المظلومية والمؤامرة. كفّرت واستباحت الدماء”.

ويُعتبر بيان “أهل العلم” إحراج لـ”النصرة”، ما يُظهر حجم الخلاف بينها وبين بقية الفصائل. فلأول مرة يخرج الخلاف إلى العلن بهذا الشكل، ويتجاوز كونه بين “جبهة النصرة” وفصائل الجيش الحر التي ابتلعت “النصرة” عدداً لا يستهان به منها. ولعل أبرز مؤشرات الخلاف هو توقيع الشرعي العام السابق في “جبهة النصرة” أبو مارية القحطاني، وهو مايزال تحت “راية النصرة” على بيان “أهل العلم”. ولعل هذا يُسجّلُ سابقة في تاريخ “جبهة النصرة” بأن يدعو فرد منها إلى التحاكم مع فصيل آخر.

السجال الذي يدور اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، يعكس حالة الإحتقان ضد “النصرة”، وربما يكون مؤشراً للقادم الأسوء. 

المدن – منهل باريش

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*