رسالة فرح غير منتهية

في-اليوم-العالمي-للمسرح-أطفال-الزعتري-يُقدمون-جرعة-من-الحب-والأمل-5

بُعيد هزيمة حزيران 1967 بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المسرح السوريّ، فقد أيقظت «النكسة «الأسئلة الأعمق، وصار المسرح منبراً حيّاً صادقاً لها، وكان أن تصدّى كتّاب من أمثال سعد الله ونّوس ومحمّد الماغوط ووليد إخلاصي ومصطفى الحلّاج وفرحان بلبل وغيرهم لتلك الأسئلة، ولكلّ طريقته، وكان من الطبيعيّ أن تنداح الدوائر الجديدة في المحافظات، فتشكّلت فرقة المسرح العمّاليّ بحمص في عام 1973، والتي يرجع الفضل في تأسيسها للكاتب والمخرج فرحان بلبل، ولاستمرار مجموعة من الممثّلين أبرزهم: أحمد منصور وعمر قندقجي وبسّام شاويش وفاطمة ضميراوي، وغيرهم كثيرون ممّن أعطوا وأبدعوا لسنوات طويلة باسم هذه الفرقة.
كان العمل الأوّل للفرقة مسرحيّة «مأساة الحلّاج «من إخراج فرحان بلبل وتأليف صلاح عبد الصبور على مسرح سينما الزهراء بحمص، ثمّ قدمت الفرقة (مونودراما) للأطفال بعنوان «بهزاد الكسول «من تأليف ألفرد فرج وإخراج فرحان بلبل وتمثيل نجاح سفكوني.
لكنّ رسالة الفرقة برزت في عرض مسرحيّة «الممثّلون يتراشقون الحجارة «من تأليف وإخراج فرحان بلبل، والتي تشرّح مسألة الفساد فيما عُرف وقتها بأسلوب المسرح «الملحميّ «المنسوب إلى رجل المسرح الألمانيّ برتولد بريشت، وقد شارك العرض عام 1975 في مهرجان «مسرح دمشق للهواة «ثمّ تتالت العروض التي تُظهر موقف الفرقة وهويّتها من القضايا الوطنيّة والاجتماعيّة كفرقة عمّاليّة.
بعد عام، أعدّ «بلبل «وأخرج نصّ مسرحيّة «جوهر القضية «للكاتب التركيّ ناظم حكمت، ويتصدّى العمل لقضيّة البيروقراطيّة في الحكم وأثرها على الوطن، كان عرضاً جريئاً. قامت الفرقة بالتجوال على مناطق آبار النفط لتقدّمه مباشرة للعمّال هناك، وكذلك لعمّال الفوسفات. كما واظبت الفرقة على تقديم عروضها ضمن المهرجانات المسرحيّة العمّاليّة وغيرها، فقدّمت مسرحيتيّ «العشّاق لا يفشلون «و «لا تنظر من ثقب الباب «من تأليف وإخراج «بلبل «الذي رفد الفرقة أيضاً بعناصر شابّة كابنته عفراء.
في نهاية السبعينيّات، اتّسعت جماهيريّة الفرقة بالتفاتتها إلى شريحة الأطفال وتقديم مسرح الطفل، فكتب «بلبل «النصوص وأتاح لغيره إخراجها، وقدّمت الفرقة مسرحيّة «القرى تصعد إلى القمر «التي نالت حضوراً جماهيريّاً لافتاً، ثمّ مسرحيّة «يا حاضر يا زمن «بالإضافة إلى استمرار الفرقة بتقديم أعمالها للكبار تأليفاً أو اقتباساً، فأخذ «بلبل «عن ناظم حكمت مسرحيّة «الجمجمة «وأخرجها عام 1982، هذه المسرحيّة التي تفضح الوجه الحقيقيّ للرأسماليّة المتوحّشة.
كثُرت الأعمال التي عرضتها الفرقة في الثمانينيّات، فمن تأليف وإخراج «بلبل «مسرحيّة «لا ترهب حدّ السيف «كما اقتبس «تأخّرت يا صديقي «و «طاقيّة الإخفاء». وكانت الفرقة تتجوّل في مختلف المحافظات، وتلتقي جمهورها على مختلف المسارح وتشترك في أغلب المهرجانات. وأصبح لها مريدوها الكثر في حمص وفي عموم مسارح سورية.
لكنّ الفورة الإنتاجيّة التلفزيونيّة لما سمّي بالدراما التلفزيونيّة أخذت تغيّر المناخ المسرحيّ، فتلتقط الممثّلين وتلوي الذوق العام وتوجّهه حسب «رؤية «وتوجيهات قيادة جديدة للمجتمع تشكّلت من طبقة مزيج متحالف بين تجّار كلّ شيء وسلطة أمنيّة تلبس زيّ الإعلام وتستعمل الثقافة، فتراجع المسرح الذي نهض في الستّينيّات، وتحوّل إلى مجموعة من المهرجانات للشبيبة والطلائع، تقام لنهب الأموال خلال بضعة أيّام ثمّ يُكتم صوت المسرح لباقي العام.
كان من المؤلم والطبيعيّ أن تخبو أضواء فرقة المسرح العمّالي في حمص، فقد غادر فنّانوه الخشبة الأنبل، وحلّت ببغاوات البعث محلّ الفنّ.
مع بداية الألفيّة الثانية، ابتعد «بلبل «عن الفرقة، واهتمّ أكثر بالـتأليف والكتابة عموماً، كالنقد المسرحيّ وجوانب أخرى من الفنون المسرحيّة كالإلقاء، ودرّس هذه المادّة في المعهد العالي الفنون المسرحيّة في دمشق.
اليوم، يحمل الفنّان «نوّار بلبل «همّه المسرحيّ ويتجوّل ناثراً حبّات الفرح للأطفال السوريّين على أرض مخيم الزعتريّ، ويقدّم لشكسبير فيقول: «المسرح يجب أن يكون أداة قويّة من أجل الحبّ والسلم والسلام والتعايش الحرّ». هذا القول ليس مستغرباً من «نوّار «فهو أحد أبناء فرقة المسرح العمّالي بحمص.

بشار فستق