العودة إلى حضن الوطن

13906641_521097991414619_1338367517279017609_n

زيتون – عمار الشاعر 

لا يكاد يوجد سوري إلا ويعلم مخادعة النظام وإتقانه اللعب على حبال عدة في سبيل إطفاء وهج الاحتجاجات التي بدأت كالإعصار في سوريا منتصف آذار من عام 2011 ، ولكن هناك عدد لا بأس به من الذين خُدعوا بوعود النظام، وانضموا لما يسمى «المصالحة الوطنية والعودة إلى حضن الوطن»، وقسم كبير من هؤلاء اضطروا إلى هذا الخيار بعدما أحكم النظام حصاره عليهم.
ولعل أبرز هؤلاء هم رجال الدين الذين وقفوا إلى جانب الاحتجاجات منذ البداية، ولكنهم اضطروا في لحظة ضعف، _ و بعد ميل كفة النظام في حمص مثلاً _ إلى التواصل مع هذا النظام عبر مديرالأوقاف في مدينة حمص»عصام المصري» من أجل تسوية أوضاعهم.

حملة المؤيدين الفيسبوكين ضد رجال الدين
حملة لافتة أطلقها مؤيدو النظام عبر صفحة أخبار حمص ضد رجل الدين «محمد ثائر الشبعان»، والذي كان قد عاد إلى حضن الوطن بعد سيطرة النظام على حمص القديمة قبل عامين .
تناولت الصفحة مقطع فيديو يظهر الشبعان بداية وهو يخطب في صلاة الجمعة في أحد مساجد الحمراء في قلب مدينة حمص قبل أيام، ثم يُظهر الفيديو الشبعان واقفاً جنباً إلى جنب مع عبد الباسط ساروت والملقب ب بلبل الثورة السورية وهو يشارك في تأبين شهداء مجزرة الخالدية التي جرت بتاريخ «الثالث من شباط عام 2012»، ويشدُّ من حماس الحاضرين ويعزّيهم، ويدعوا على الأسد وظلمه، فيما كان آلاف الحاضرين يؤمنون وراءه.
وعلى الفور توالت التعليقات الغاضبة والمحرضة على قتل الشبعان، وقد بلغت أكثر من 225 تعليقاً
فقد علقت كاترينا سركيس: «كيف لهذا المجرم أن يخطب في الأحياء التي تعتبر قطاعاً لفرع أمن الدولة وقصر المحافظ..أين الأمن ..الله يلعن التسويات ..أصلاً ما خرب بيتنا غير التسويات»
فيما ذهبت بعض التعليقات إلى أبعد من ذلك، فمنها من اتهم مديرية الأوقاف ومشايخها بالعمالة لداعش، ومنها من اعتبر أن طلال البرازي محافظ حمص هو أكبر إرهابي أيضاً
ومن هذه التعليقات تعليق لـ ليليان الخليل التي تقول: «لا تستغرب ترجع لشي فيديو قديم تلاقي طلال البرازي واقف مع شي إرهابي…ليش معقول لهلق في عالم ما استوعبت أنو البرازي أكبر إرهابي بحمص»
فيما علق كثير ممن على ما يبدو أنهم من الشبيحة والمليشيات قائلين: « نرجوا ممن يعرف في أي مسجد يخطب هذا الإرهابي أن يعلمنا «

حضن وطن أم مجرد كفن؟
ملهم 38 عاماً أعزب وكان يسكن في بيته العربي القديم في أحياء حمص القديمة، وكل ذنبه أنه استقبل في بيته مجموعة من المقاتلين من أبناء الحي الذين اضطروا إلى حمل السلاح أمام قمع الأسد وإجرامه.
وبعد أن تعرضت حمص القديمة للحصار، اضطر ملهم للعودة إلى حضن الوطن، بعدما نصحه بعض أصدقائه خارج الحصار بتسوية وضعه.
يقول زاهد « شقيق ملهم» بعد أن سلم أخي نفسه للأمن السياسي، تم وضعه في مدرسة الأندلس بحي الدبلان، وكان والدي يزوره يومياً ويستفسر من الأمن لماذا يتم احتجازه هناك، وكانوا يقولون له إنها إجراءات المصالحة، وستأخذون ملهم ريثما تنتهي هذه الإجراءات.
ويضيف زاهر: ظللنا ننتظر أن يفرجوا عن أخي مدة شهرين، لكن ذلك لم يحدث، فلقد تم تحويل أخي إلى داخل الأفرع الأمنية لتبدأ بذلك حلقات التعذيب اللامتناهية، لم نقف مكتوفي الأيدي وقمنا بتوكيل محامٍ لملهم، على أنه قام بمصالحة وطنية، مع العلم أنه لم يحمل سلاحاً قط ، وكل ذنبه أنه ترك – ما تسميه الأفرع الأمنية «المسلحين»- يسكنون في بيته.
ويتابع: حاولنا بكل الوسائل وقمنا بدفع الرشاوي إلى أن تم تحويل أخي إلى سجن عدرا في دمشق، وبدأنا بذلك معركة جديدة ضد ما يسمى محكمة الإرهاب، ولكن دون جدوى، فلقد تم إجبار أخي من خلال التعذيب على الاعتراف بأنه قام بقتل مدنيين، مما جعل المحكمة تلتف على ملف التسوية بحجة الحق الخاص، معتبرة أن أخي هو من الذين تلوثت أياديهم بدماء الشعب السوري.
ويختم زاهر – ودموعه تتسابق على خدوده – : حاولت كثيراً أن أقنعه بأن يسافر معي إلى مصر قبل الحصار، لكنه رفض، ولقد تم تحويله الآن من سجن عدرا إلى سجن صيدنايا بعد أن حكموا عليه بالإعدام، نعم هذه هي مصالحات الوطن وهذا هو حضنه الدافئ.
ليست حالة ملهم هي الوحيدة …محمد 25 عاماً كان ممن خرج من حمص القديمة بتسوية أيضاً.
يقول شقيق محمد: صحيح أن أخي قام بتسوية مع نظام الأسد قبيل خروج أصدقائه من الثوار بسلاحهم، وصحيح أن النظام تركه يعود إلى منزل أهله في حي طريق الشام، إلا أن ذلك لم يدم سوى بضع أسابيع، فلقد تم خطف محمد من الشارع من قبل الشبيحة الذين تربصوا به، وإلى الآن لا نعلم إن كان أخي فوق التراب أو تحته.
وتؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن ألف مدني خرجوا من حمص القديمة وقاموا بتسوية أوضاعهم مع النظام على مرآى الأمم المتحدة، إلا أن النظام قام باحتجازهم والتحقيق معهم، ولم يُفرج سوى عن 250 منهم، فيما يبقى مصير 750 مدنياً مجهولاً منذ عامين وحتى هذه اللحظة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*