أهالي منبج.. ضحيّة من؟

13939455_524201827770902_6780407056682719659_n

زيتون – أسامة العيسى 

في وقت كانت تعد فيه مدينة منبج، وهي ثاني أكبر مدينة سورية، إلى جانب الباب وجرابلس الحدودية مع تركيا معاقل تنظيم «داعش» في ريف حلب الشمالي الشرقي، أفرزت التطورات الأخيرة خلال الأيام الماضية انزياحاً في الخريطة الميدانية للسيطرة، بعد تمكن ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» من أخراج مسلحي التنظيم من المدينة والسيطرة عليها بالكامل، لتتبدى بعد ذلك ملاح الأزمة الإنسانية التي حلت ولا زالت بآلاف السكان الأبرياء.

الأرقام التي وصلت لـ “زيتون” تحدثت عن بلوغ العدد الكلي لضحايا الحرب في المدينة، بين نازحين وقتلى وجرحى حوالي 220 ألف مدني، فر قسم منهم إبان المعارك بين المسلحين الأكراد ونظرائهم في «داعش» إلى قرى مجاورة في أرياف حلب القريبة، فيما بقي عدد آخر منهم في المدينة نفسها حتى تاريخ دخول القوات الكردية إليها.

سمير خ.، أحد الفارين من منبج، حيث يقيم حالياً بأحد المناطق المتاخمة بريف حلب، يقول منتقداً دور الإعلام في التعاطي مع الأزمة الإنسانية لأهالي المدينة: «قد نكون نحن كسكان ارتكبنا كارثة بتأييدنا للثورة، لا ندري ذلك في الحقيقة! إذا كتب علينا أن نذوق الويل من النظام وطيرانه الذي لم يرحمنا طوال خمس سنوات مستمرة، فلم نكن نتصور بيوم أن تأتينا الطعنة من أبناء جلدتنا، وأعني بهم أولئك ممن أصبحوا بين ليلة وضحاها أمراء في داعش ومقاتلين مع الأكراد يفتكون بنا من هنا وهناك ولا نصير لنا إلا الله».
ويضيف في شهادته على واقع الحال للسكان: «من الغريب أن الإعلام لا يذكر سوى أزمة اللاجئين خارج حدود سوريا وكأنما الكارثة الإنسانية تقتصر على هؤلاء فقط، بينما أعداد النازحين في منبج أضحت بالآلاف، لم يبقى بشر في المدينة ويم يبقى حجر على حجر، ولكن الإعلام يصم أذانه عنا حتى الساعة، وإذا ذكروا ما يجري فذلك يكون في ثواني قليلة.. ألا تستحق هذه الأزمة التي ما أطاحت بمدينة سوريا قبل ذلك أن يأتي عليها ليعرف العالم مأساة المدنيين في هذه المدينة البائسة.. آلاف السكان مشردين في العراء وأنا منهم وعائلتي، نقطن الآن في أحد كروم الزيتون بأرياف حلب، لا ماء ولا دواء ولا مغيث، لا نظام ولا معارضة ولا داعش حتى التي تسيطر على هذه الأمكنة تلتفت لمأساتنا.. باختصار نحن ضحية الجميع، أقول الجميع ولا أستثني أحداً».

علي الأحمد، ناشط حقوقي، يقول في صدد التعامل الإعلامي والحقوقي مع أزمة منبج: «لم يكن من السهل التعامل مع ظاهرة النزوح في المدينة أوّل الأمر بحكم شح الأخبار الدقيقة وعدم وجود مصدر إعلامي محايد، وأنا أتكلم إبان سيطرة داعش عليها، لأن التنظيم نفسه لا يمثل مصدرا مستقلاً للأخبار ولا تستقى منه معلومة، فهو كما هو معروف يسوق الأخبار التي تتلاءم معه ضد خصومه في ميدان المعارك، لكن هذا الكلام لا يعني البتة أن آلاف السكان في منبج تحولوا إلى ضحايا حرب بالجملة، هذا ما نعلمه جيداً وتعلمه كل منظمات العالم الحقوقية وأجهزتها الإعلامية، لكن طريقة التعاطي تختلف بطبيعة الحال بين هذه المنظمة أو تلك أو هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك».
ويضيف قائلاً: «لدينا أرقام مخيفة عن حجم المتضررين من الأزمة الإنسانية التي لا زالت مستمرة في منبج، كما أن عاملاً أخراً لعب دوره في حدوث بعض ما وصف بعمليات التهجير الممنهج أو القتل بسبب الدين أو العرق، وهذا الأمر نتيجة تداخل الصراع فيها واختلاف ايدويولوجيا الأطراف أنفسهم، فسكان منبج هم من الأكراد والشركس والبقية من القبائل العربية، حيث وردتنا معلومات موثقة عن عشرات الإعدامات التي نفذها داعش إبان سيطرته على المدينة منذ العام 2014 وحتى خروجه منها بسبب أراء الناس، فضلاً عن انتهاكه لحريتهم في كل شيء، كذلك هناك شكاوى على المسلحين الأكراد أنفسهم وقوى المعارضة المتحالفة معهم حول حدوث عمليات انتقام منهم من أهالي المدينة، عبر تزويد طيران التحالف بإحداثيات مناطق سكنية لقصفها من الجو».

وتتحدث هند ع.م، من ريف حلب الشمالي، وهي سيدة نزحت بأربعة أطفال بعد أن قتل زوجها بقصف التحالف الأخير على منبج، عن حجم ما حل بالمدينة من دمار وأبعاد الكارثة الإنسانية فيها قائلة: «تمكنت بعد عناء طويل رأيت فيه الموت ألف مرة من الوصول إلى أحد المناطق في ريف حلب الشمالي، كان الوضع في منبج لا يوصف، كيف يمكنني أن أصور الحال في مدينة لا تشبه حتى بمدينة الأشباح. إذا تجولت في شوارعها ترى الدمار في كل حدب وصوب، دماء الناس لا زالت في الشوارع. القصف من الجو لا تعرف من أين يأتي ولا تدري من الذي يقصف. سابقاً كنا نتأكد أن النظام هو من يمتلك الطيران ويرمي الصواريخ علينا، الآن لا ندري هو الأسد أم التحالف أم روسيا أو حتى دولة أخرى وربما داعش نفسه.. نحن لا نعلم شيئاً إلا أننا ضحايا وأن الفاتورة الأكبر دفعناها نحن المدنيين ومات لنا أناس لكي يرضى الأكراد وداعش والمجلس العسكري (مجلس منبج العسكري)».

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد تحدث عن نزوح ما لا يقل عن 20 ألف نسمة من منبج، «نتيجة للمكاسب السريعة وتكثيف النشاط الجوي»، حسب تقرير تابع للمكتب نفسه نشر مطلع الشهر حزيران الماضي.

وقال المكتب إن النازحين الجدد توجهوا شمالا نحو مدينة جرابلس، القريبة من الحدود التركية والواقعة تحت سيطرة التنظيم، بينما توجه آخرون جنوبا باتجاه القرى الممتدة على طول نهر الفرات والواقعة تحت سيطرة التنظيم. وأشار التقرير إلى أن ثمانية آلاف شخص فروا من منبج المدينة، وحدها ويمكن أن يتسبب القتال في نزوح نحو 216 ألفاً آخرين إذا استمر، وهو ما أفاد ناشطون أنه بلغ بالفعل الحدود المشار إليها مع تاريخ اليوم، لتبقى مأساة السكان بانتظار حل لها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*