المجتمع المدني: أعباء ومعوقات..

529238_537910336242124_1261525709_n

يجب الاعتراف بداية، بأن متطلبات المجتمع المدني، ذات الطيف الواسع من المهام، تثقل كاهل الجميع، جميع المعنيين بالشأن العام.
صحيح هي تهم النشطاء السلميين بالدرجة الأولى كونهم رأس الحربة في مشروعهم المدني السلمي، لكن المثقفين والسياسيين عموما، ليسوا أقل اهتماما أبدا. ويجب رؤية أن ذلك الاهتمام يعني الجميع على ضفتي الصراع الطاحن (رغم إن المفارقة السورية، هي خارج المنطق وفوق العلم الطبيعي. حيث للنهر عندنا أكثر من ضفتين!؟ تضايف ضفافه، في ظل «الفوضى الهدّامة». إن جاز لي، مع حفظ الفارق، هي تشبه الحواجز الثابتة والطيارة، الأمنية والتشبيحية للجميع، في عموم سوريا).
لا ينبغي استغراب ذلك، فإن كانت الكتلة الأساسية من المعنيين هي في طرف الثورة، وهي المستهدفة بشكل رئيسي، والتي تدفع الثمن الفعلي، فيجب أن لا يقلل ذلك من أهمية الكتلة الباقية من الجهة الأخرى، والتي هي معنية بالشأن السوري، فهي أيضا كتلة سورية! وهذه واحدة من نواقص العمل الميداني المدني، التي لم تستطع استقطاب الجزء المعني بالمجتمع المدني، وبالسلم والتعايش الأهليين.
يربط المجتمع المدني عادة، بالسلم الأهلي، وهي البيئة اللازمة والضرورية لترسيخ صيغة التعايش المجتمعي الطبيعي. لكن في ظل الصراع الدموي الطاحن، يتراجع النشاط المدني، رغما عنه، أمام تقدم موجة العنف الكاسحة، أمام السلاح.
في الحالة النموذجية يطمح الناشط المدني، ومن ورائه مؤسساته المعنية والراعية له (وأعني بهم كل الذين يعملون سلميا لتحقيق أهدافهم المجتمعية)إلى التأثير ضمن المجتمع ككل، دون تمييز بين أي طرف من أطراف النزاع، للحفاظ على بيئة التعايش السليمة بين جميع أبناء المجتمع، راهنا ومستقبلا.
(نعلم جميعا، أن بيئة التعايش السلمي للسوريين قد ضُربت بشدة، وبشكلٍ ممنهج، ولإعادة ترميمها من جديد، تحتاج منظمات المجتمع المدني، ونشطائها السلميين، إلى جهد مضاعف، وإلى مساعدة مجتمعية عامة، ناهيكم عن مساعدة المجتمع الدولي ذاته، والتي باتت ضرورية بل وأساسية في وقف الصراع المسلح).
فهل بيئة العمل الراهن، قابلة للاستجابة؟
عوض الإجابة مباشرة بلاّ قوية وقاطعة! نقول بأن الأمر بات بعيدا كثيرا عن وجود إمكانية واقعية، مؤثرة وفاعلة، على ساحة العمل الميداني، والذي تهيمن عليه قوى العمل المسلح (دون أن أشمل كل القوى المسلحة على إطلاقها) بشكل شبه كامل، وقوى اللاعقل إجمالا.
وحتى نبقي باب الأمل مفتوحا، نستعين بالممكن القائم والواقعي. عندما تطور الحراك إلى ثورة، تداعى الشباب بالدرجة الأساسية، لتنظيم أنفسهم ونشاطهم، عبر شكل تنظيمي،عرف بـ»لجان التنسيق المحلية» والذي سرعان ما تطور أفقيا وعموديا. وأول من استشعر خطورة هذا التشكيل المنظم، كان النظام السوري وحلفائه، ولحقه بذلك، ويا للمفارقة « الإخوان المسلمين « بالدرجة الأولى، ثم لحقتها بعض قوى المعارضة الأقل شأنا. النظام سعى لسحقها دون هوادة، عبر القتل والاعتقال، والتشويه والاختراق؛ بينما سعى « الإخوان « للهيمنة عليها، من أجل تجييرها حزبيا، وإسلاميا، قبل وطنيا!
والجميع يعلم ما آلت إليه الأمور لاحقا. معها وبعدها تشكلت العديد من الهيئات والمنظمات التي تعنى بالنشاط المدني السلمي، بعضها اندثر وتلاشى، وبقي البعض الآخر يعمل في ظل شروط قاهرة وخطرة للغاية، لكنه بالرغم من ذلك، لا يزال يعمل إلى الآن. وهذا لعمري بحد ذاته انجاز يحسب لهم.
للحق، ما يبقي الناشط المدني السلمي مصرا على العمل في حقل الألغام هذا، مغامرا بوقته وجهده، بل وبحياته، هما أمران: إيمان كبير، هو أقرب إلى» عقيدة سلمية « يعمل بوحيها (صحيح إن العمل التطوعي لا يزال موجودا، ويعمل في حقول مختلفة، لكن بالمقابل، لا يعيب المتطوع مكافأة نشاطه ماديا، إن أمكن. فهو إنسان أيضا، وذو احتياجات حياتية عديدة ومختلفة) والثاني هو تلمس بعض التجاوب من الناس في هذا المكان أو ذاك، خصوصا الذين يلمسون بعض النتائج المباشرة، من خدمية أو إنتاجية، أو اغاثية وما شابه، وإن كان لا يزال محدوداً في الكثير من مناطق النزاع، وبالأخص الساخنة منها. مبدئيا، يجب أن لا نحمّل الناشط أكثر مما يحتمل. فهو كأي إنسان يتأثر بما يجري من عنف منقطع النظير، يضغط عليه كما على كل المجتمع. الأمر الذي يضيّق مجال نشاطه العام لصالح الكتلة المسلحة. إن هذا الناشط الذي يؤمن بالنضال السلمي، وبالقانون وحقوق الإنسان الخ الخ، يواجه هجوما شرسا من أغلب الأطراف الفاعلة في الصراع السوري. وهي بالتأكيد ليست أطرافا محلية فحسب، بل إقليمية ودولية بامتياز. والأخطر من ذلك، هو الإصرار العنيد من قبل بعض المتداخلين، على أخذ الصراع إلى الحقل المذهبي أولا، والطائفي ثانيا، والاثني عند اللزوم.
كل ذلك يعقد من شروط العمل في الساحة السورية. لذا، أنت بحاجة إلى شيء من المهنية والحرفية في التعامل مع الناس المأزومين. وهذا أمر لا يتحقق إلاّ بدورات تخصصية متواترة، يرفد العمل المدني السلمي، مانحا الفرصة في التعويض عن النزف المستمر(جراء القتل والاعتقال والتهجير) وعلى الاستمرارية الفاعلة من جهة، من خلال النحت على « صخرة الثقة « لدى الناس(وهي عزيزة المنال في ظرفنا الراهن!؟) وحيث تنجح فأنت تؤسس لعمل مدني، ولمجتمع مدني قادم لا محالة. وهذا يحتاج إلى صدق بيّن مع النفس، ومع الناس، وإلى إيمان كبير بعدالة القضية التي تعمل عليها. فالعمل المدني السلمي القائم، عليه أن يستمر- ومن سنن الثورة أنه سيستمر!- رغم محدوديته الحالية، لكنه بالقطع هو عمل تأسيسي مهم وخطير على مستقبل البلد.
وعليه يجب دعمه على طول الخط، بالكلمة الطيبة وبالمكافأة المالية معا، شريطة أن لا يتحول الدعم المالي المعني، إلى وسيلة فساد وإفساد للناشطين السلميين، كما هو بلاء الثورة القائم، وابتلاؤها في الوقت عينه.

مروان محمد