العقل في مسألة العَلَم..

1477394_577400755663050_1593621714_n

يجب التنويه سلفا إلى أن جوهر المقال قد طرح قريبا في «بوست « وكون طبيعة البوستات ذاتها قصيرة ومختصرة، لذا ارتأيت أن أتوسع فيه لأهمية الموضوع.
تعلمون جميعا بأن إزاحة علم الاستقلال من على المنصة، في المؤتمر الصحفي المشترك بين خالد خوجة ولؤي حسين، أثارت العديد من الانتقادات وردّات الفعل، وصلت إلى تقديم اعتذار من الخوجة واعدا بألاّ يتكرر مستقبلاً؛ فيما تم العمل على النبش والتشكيك في تاريخ المعارض السوري لؤي حسين.
للحق إن خطايا كثيرة ارتكبت بحق الثورة السورية، منها فكرة العلم البديل. مرّ على السوريين خمسة عشر علماً خلال تاريخهم الحديث. بدءا من علم الاستعمار العثماني إلى أعلام الدويلات السورية، مرورا بأعلام الانتداب والاستقلال والوحدة، والعلم السوري بثلاث نجمات، ثم علم اتحاد الجمهوريات ثم علم الجمهورية العربية السورية الحالي المعروف منذ الثمانين وحتى الآن.
ذهبت تلك الأعلام مع تاريخها، وبقي» السوريون « ملمومين وراء العلم الرسمي حتى الأشهر الأولى من الثورة، يتبارون على الأحق برفعه، والأطول والأعلى الخ..وكان يفعل فعله على أكمل وجه في الحشد والتحريض، والإثارة والإغاظة لدى النظام الباغي ومؤيديه.
بالطبع نحترم جهود وتضحيات الناشطين والثوار في الميدان، لكن لم تكن كل خياراتهم صائبة.
في الواقع إن طرح علم الاستقلال كبديل-هذا رأي منذ أول يوم تم رفعه فيه- كان كفيلا بأن يشق السوريين فورا إلى نصفين، عبر قرار واحد، غير مفكر فيه كما يجب.
(هل يخفى على عموم السوريين والناشطين منهم خصوصا، مدى تسخير النظام من الدعاية والوقت والمال والرجال لشق السوريين عن بعضهم البعض؟ كل ذلك تم توفيره على النظام-دون قصد طبعا- بقرار واحد أُخذ دون تبصر!؟). وهو ليس القرار الوحيد الخاطئ، فقبله كان قد تم رفع الشعار الشهير- سيء الصياغة والمغزى- « الثورة السورية ضد بشار الأسد !» حيث وجّه الشارع فورا نحو شخصنة الحراك(وقتها أبدا لم يكن هدف الحراك هو شخص بشار. أمّا اليوم بالتأكيد توجد قضية شخصية مع هذا المستبد، ومن كل السوريين).
كما جاءت تسمية الجمع بصبغة إسلامية واضحة، من نفس المصدر(الخاطئ)لتأخذ النشطاء إلى أمكنة ومطارح تؤدي إلى تديين الحراك وأسلمته، بوعي أو من دونه، لا فرق. وهذا الأمر ساهم ومهّد إلى تطييف بعض النشاطات والشعارات(حيث بدأت عبارة النصيرية والمجوس تمرّ وتستقر في أدبيات الناشطين دون رادع وطني أو تبصر) إلى ما وصلنا إليه اليوم من لغة طائفية فاقعة ومقيتة ومرفوضة.
(في هذا المقام تجدر الإشارة إلى أن التعذيب الوحشي البشع إلى أقصى حدود البشاعة التي يمكن أن تخطر في خيال، والذي مورس من قبل النظام الظالم وحلفائه، بحق النشطاء والمعارضين، وكل من ليس معه، ما كان له أن يُمارس بتلك البشاعة، لو لم يتم تجريد الخصوم من صفتهم البشرية أولا، ليسهل بعدها شرعنة كل الوسائل العنيفة واللاأخلاقية من وسائل التعذيب والتنكيل لإخراج هؤلاء الخصوم من الحرية أو من الحياة برمتها، باعتبارهم ليسوا « بشرا « يستحقون أيا منها !؟).
تضعنا هذه الصورة المؤلمة أمام تحدي أخلاقي أولا، قبل أن يكون سياسي وطني. وذلك لكي نتجنب تمثّل سلوك النظام الظالم المستبد. وهو كيف نحافظ على الصفة الإنسانية فينا، إلى جانب صفة السياسي المعارض والثوري الميداني والقائد المسلح؟!
إنّ ضمان احترام خيارك كبشري أصلا قبل معارض أو ثوري، أو قبل أي صفة شبيهة، خاصة وأنت صاحب مشروع ثورة على الظلم والاستبداد، يُحتم عليك تفهّم خيارات الآخرين-إن لم تحتمل الاحترام- باعتبارهم بشر مثلك أولا، يختلفون عنك في الرؤى والرأي، أو في العقيدة أوالدين الخ الخ ..المغزى هو عدم أخراجهم من دائرة البشرية، كخصمك، ليسهل عليك إقصائهم ونفيهم وحتى قتلهم بعدها(هذا أمر لا علاقة له بالحرب الدائرة أو بأخلاق الحرب. والتي فيها القتل والأسر والقتل المضاد وما شابه. أتحدث عن رؤيتك كمعارض الآن، وربما كحاكم غدا، للآخر المختلف عنك في الكثير من القضايا، منها الدين أو الطائفة أو المذهب، في وطن واحد). حقيقة أركّز على أن المقدس الدنيوي الرئيس يجب أن يكون الإنسان بصفته نفسها(من هنا نلاحظ توسع دائرة الدول التي تلغي عقوبة الإعدام من تشريعاتها). بعد ذلك ننظر إلى هذا الإنسان بصفته رمز، أو إلى صنع هذا الإنسان للرمز(العلم مثلا) وفي الحالين هو إنسان، وفي الحالين يجب أن يصب في حالة إجماع، وفي صالح المجموع، وفي طرف الخير العام على بساطة التعريف للخير.
وعليه يصبح المطلوب هو إعادة الأمور إلى أصولها ووضعها ضمن حجومها الحقيقية، والتفكير بأن الرمز، أي رمز يكتسب أهميته، وحتى قدسيته للبعض، من قدرته على أن يحترم العقل والوجدان، وضمنا الحقوق الأساسية للكائن الفرد، كما لعموم المجموعة البشرية -المتنوعة والمختلفة في رؤاها وطموحاتها وأهدافها الخ الخ، لم نقترب من الدين والعرق!- التي تعيش معا(سواء بالصدفة التاريخية، أم بالقسر والإكراه)حيث الناظم القانون وقبول الاحتكام له وحده.
وإلّا، سيتراجع العقل لصالح تقدم «غريزة القطيع « السائرة وراء « أي تيس « دون تفكر، حتى وإن كان يقودها إلى جهنم وبئس المصير!

مروان محمد