1.5 مليون ليرة كلفة البئر والحفر العشوائي ينذر بكارثة بيئية

ابار ارتوازية

زيتون – وسيم درويش

انتشرت ظاهرة حفر الآبار في محافظة إدلب، وبكثافة في الكثير من المناطق للحصول على المياه الضرورية للشرب والأعمال الأخرى، فبعدما كانت معاملة حفر البئر تكلف أموالاً طائلةً أصبح بإمكان أي شخص لديه مؤهلات من أرض وقليل من الأموال أن يحفر بئراً، خصوصاً مع غياب تعقيدات المعاملة. 

تبلغ مساحة محافظة إدلب الإجمالية حوالي / 609710 / هكتار. وتقع 74 % منها ضمن منطقة الاستقرار الأولى التي يتجاوز معدل أمطارها السنوي 500 ملم / سنة. وتعتبر المحافظة من المحافظات الغنية بمياهها السطحية والجوفية التي تنتمي لحوض العاصي، ويخترق أراضيها نهر العاصي (الذي يعد بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد نهر الفرات) من طرفها الغربي بواد ضيق، وعميق شديد الانحدار حيث يلتقي في جنوب قرية جسر الحديد بمياه رافده النهر الأبيض الهابط عبر هضبة القصير مجتمعة مع مياه نهر البوارة الذي يستمد مياهه من هضبة القصير.
الصهاريج الجوالة مصدر رئيسي
ولكن غنى إدلب بمياهها لم يقيها شرّ العطش، ولم يقِ أهلها عذاب انتظار المياه لساعات وساعات لقضاء حاجاتهم؛ لدرجة جعلتهم يتناوبون على انتظار الماء لملئ خزاناتهم، ومع اشتداد حدة الصراع خرجت معظم محطات المياه في ادلب عن الخدمة نتيجة انقطاع الكهرباء عن كامل المحافظة والذي يعتمد عليها في استخراج المياه من اﻵبار وضخها لتصل لمنازل الناس. فلجئ الأهالي إلى شراء الماء من الصهاريج الجوالة التي أصبحت مصدر أساسي يرتكز عليها في تأمين مياه الشرب. كما قام بعض سكان ريف ادلب بحفر آبار في منازلهم لاستخراج الماء الصالح للشرب منها وبعضهم أصبح يستثمرها من خلال بيع المياه للصهاريج التي تقوم بدورها بتوزيعها للأهالي. وتتم عملية الحفر بشكل عشوائي وباستنزاف جائر للمياه الجوفية ما يؤثر على المخزون الجوفي من المياه.
يقول المهندس الزراعي صبحي الحسن، لـ زيتون «حفر البئر الواحدة يختلف في فترته الزمنية من منطقة لأخرى وبشكل عام يتم حفر المتر الواحد بمبلغ يتراوح ما بين 800 – 1200 ليرة سورية وفي حال كانت المسافة المطلوب حفرها 100م لاستخراج المياه فان الكلفة للحفر هي ما يقارب 100000 ليرة سورية، وهو مبلغ بسيط مقارنة بأسعار الدولار والدخل الجديد لبعض الأهالي، فيما يحتاج البئر ايضا وحسب طبيعة المنطقة حيث أنها ان كانت ترابية فهي تحتاج لقميص من الستنليس ستيل ويحتاج إلى غطاس ينزل إلى أسفل البئر ليسحب المياه وفي ظل انقطاع الكهرباء فقد يحتاج من سوف يستمر بئره لأغراض تجارية إلى مولدة ذات استطاعة كبيرة هذا فان كلفة حفر البئر واستخراجه قد تصل لمبلغ 1.5 مليون ليرة سورية أي ما يعادل 3000 دولار».
أبو جميل، من أهالي ريف سراقب قال لـ زيتون «نظراً لانخفاض تكلفة حفر الآبار في بلدتي مقارنة بباقي المناطق قمت بحفر بئر في منزلي لتأمين الماء، لا تتجاوز تكلفة الحفر عندنا 100 ألف ليرة سورية (250 دولار) والسبب هو أن الماء ينبع من مسافات قريبة مقارنة ببعض المناطق اﻷخرى، تتضاعف التكلفة لتصل لما يقارب 2 مليون ليرة سورية بسبب عمق المياه في باطن اﻷرض ناهيك عن تكاليف تجهيزه المرتفعة ايضاً وهو البئر الجوفي».
ويضيف أبو جميل: لا يحتاج تعبئة خزان البيت من البئر تكلفة كبيرة لتر واحد من (المازوت) كفيل بتشغيل مولدة كهربائية لتعبئة أكثر من 1000 لتر من الماء بتكلفة لا تتجاوز 250 ليرة سورية ما يوفر مبالغ كبيرة لتأمين المياه للبيت بدلا من طلبها من الصهاريج التي قد يصل ثمنها في بعض الأحيان إلى 3000 ليرة سورية.
خطورة بيئية
فريد من بلدة حاس، لا يعلم أنّ في حفر الآبار بشكل عشوائي خطورةً بيئية: وهل هناك أخطار لا أعتقد ذلك! فما أستخرجه من بئري تعيده مياه الأمطار في الشتاء.
أحمد، والذي حفر بئرين في أراضيه يقول لقد حفرتهما في أرضي وأملاكي ولم أؤذي أحد فهل أنا مخالف.
ولأبو وحيد من كفرنبل رؤيته الخاصة، وهو من موظفي الصحة سابقاً: لا أعتقد بأن جميع الناس يمكنهم حفر الآبار بسبب العمق في بعض المناطق ما يجعله يتطلب كلفة كبيرة لاستخراجه اضافة إلى أن مياه بعض الآبار غير صالحة للشرب ولا تستخدم الا في ري الأراضي الزراعية، فالماء الذي يحصل عليه الأهالي غير معقم بمادة الكلور الضرورية لتلافي انتشار الأمراض.
ويقول المهندس سامي محمود مدير وحدة مياه جبل الزاوية سابقاً: إن خطورة الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية في منطقتي حارم وجسر الشغور والريف الجنوبي بشكل عام تتمثل في الانخفاض المستمر في مناسيب مياه الآبار بمعدل يتراوح بين (1. 5,3) أمتار في السنة بينما يصل إلى (3,6) أمتار في السنة في بعض المناطق الغربية من سهل الروج، وقد تم في منطقة حارم وجسر الشغور وريف ادلب الجنوبي ومعظم المناطق حفر مئات الآبار المخالفة في الآونة الأخيرة واستغل المخالفون الأوضاع التي تمر بها سورية عامة وإدلب خاصة، حيث كان عدد الآبار عام 1997 / 6931 / بئراً منهم / 1124 / غير مرخص، ارتفع هذا العدد في عام 2012 ليصل إلى / 12041 / بئراً منهم / 2989 / غير مرخص، فيما ارتفع إلى أضعاف هذا العدد في السنوات القليلة الماضية، حيث لم يعد هناك إحصائيات دقيقة
أدت هذه الزيادة الكبيرة في عدد الآبار (لاسيما الآبار الإرتوازية العميقة) إلى استنزاف المياه الجوفية في محافظة إدلب الأمر الذي أدى إلى جفاف العديد من الينابيع المتفجرة وإلى انخفاض خطير في مستويات المياه الجوفية، تبعه انخفاض في مستويات المياه السطحية.
وتبرز مسألة ترشيد استهلاك المياه بين الناس وخصوصاً بعد ازدياد ظاهرة حفر الآبار بشكل عشوائي والذي يؤثر سلباً على مخزون المياه في باطن اﻷرض. وتبرز أهمية تفعيل التشريعات الخاصة بتنظيم عملية الحفر للآبار وإيقاف الحفر العشوائي وتحديد الأعماق التي يجب حفرها وبما يتناسب مع كل منطقة وتحسين ورفع كفاءة عملية الري من خلال تحديد المقننات المائية للمحاصيل وضبط نظام الري وفقها وجدولة مواعيد وكميات الري ونشر الوعي المائي بين المزارعين وتنبيههم إلى خطورة الوضع المائي مع إرشادهم بمميزات أنظمة الري الحديث وتفعيل دور الإرشاد الزراعي والإرشاد المائي عبر وسائل الإعلام المتوفرة وإجراء الدراسات والبحوث لإيجاد أصناف زراعية ذات احتياجات منخفضة من المياه لمختلف المحاصيل الزراعية وتعميمها على المناطق واختيار أنواع متحملة للأملاح لاستغلال المخزون المائي في ظل غياب منظومة رقابية وتنفيذية لإدارة قطاع المياه في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*