من حمص إلى الرقة ثم الهرب.. ريم وعائلتها وكابوس داعش

من حمص الى الرقة

زيتون – وضحى العلي

اضطر العديد من السوريين، بسبب طول فترة الحرب، للبحث عن فرص عمل جديدة لتأمين لقمة العيش ومتطلبات الحياة اليومية. وتغيرت مهن العديد من أرباب الأسر السورية بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة المتغيرة، وسط اختلاف المناطق والقوى المسيطرة عليها. 

«محمد سلمان الأسمر» من منطقة «جب الجندلي» في حمص، واحد من هؤلاء الرجال الذين حاولوا البحث عن وسائل ومصادر رزق ليعيل زوجته وأولاده. فقد أجبر محمد على تغير مهنته من بيع الملابس إلى بيع مادة المازوت بين مدينتي إدلب والرقة.
ومثل كل السوريين، أصبح يقضى يومه في البحث عن لقمة العيش وبقى على هذا الحال عاماً كاملاً، ثم قرر أن يستقر في مدينة الرقة مع زوجته وأولاده الستة ووالده ووالدته.
وبسبب تنقله السابق بين الرقة وإدلب، تعرض للتهديد من قبل داعش بتهمة «التعامل مع الجيش الحر / المرتدين»، وبدأ الخوف يخيم على حياة العائلة.
«ذهب ولم يعد»، تقول «ريم» زوجته: جاء أشخاص غرباء وأخذوا زوجي من المنزل بحجة بعض الأسئلة وسوف يعود دون تأخير، ولكنه لم يعد وبدأ عمي «والده» بالبحث عنه في كل مكان وإدخال وساطات مع عناصر من داعش. ودفع مبالغ مالية تقدر بثلاثة ملايين ليرة سورية دون جدوى، وبعد أكثر من شهرين قررت والدة محمد الذهاب إلى مقرات داعش للسؤال عنه ولكن كانت هذه رحلتها الأخيرة ولم تعد حتى الآن».
تتابع ريم: هذه الأحداث كانت في شهر تموز عام 2015، حاولت السؤال عنها ولكن دون نتيجة، لتخبرني إحدى صديقاتي بضرورة الذهاب للسؤال عنها ومعي طفلي الصغير ابن الأربعة أشهر لعلهم يشعرون بالشفقة على حالي حيث لم يعد معيل لي ولأطفالي ولوالد زوجي المسن».
ذهبت ريم إلى المكان الذي أرشدها إليه زوج جارتها. تقول: كانت هناك مجموعة من الشباب بملابس غريبة وأشكال أغرب، وعندما سألتهم عن زوجي ووالدته قالوا لي أنهم يخضعون للتحقيق وسوف يتم الإفراج عنهم قريبا وأن زوجي يجب أن يعاقب على تعامله مع الجيش الحر و»المرتدين». طلبت منهم رؤيته. وبعد إلحاحي وافقوا على طلبي واصطحبني أحدهم إلى داخل البناء ثم إلى قبو تحت الأرض. وكانت هنا بداية مأساتي».
أخذ العنصر الداعشي طفلي من يدي ورماني داخل حمام وقال لي «حتى تتعلمين كيف تسألين عن زوجك». بقيت في ذلك الحمام شهرا كاملا وأنا أصرخ، لا أعرف ليلي من نهاري وأريد طفلي. أعادوا لي طفلي بعد عشرة أيام من ذلك كنت تعرضت لكل أنواع الإهانات والتعذيب من قبل سيدات على الأغلب لسن سوريات. ثم نقلوني إلى غرفة كبيرة فيها عدد كبير من النساء قصصهم متشابهة. بقيت على هذا الحال لمدة شهرين ولم أعلم اية معلومة عن زوجي محمد ووالدته وأطفالي «الذين تركتهم مع جدهم المسن».
الهروب صدفة!
أخطر ما يمكن أن يمرّ به الناس في تلك المناطق استهداف طائرات التحالف للمنطقة، فكثيراً ما تخطأ الطائرات أهدافها فتقتل مدنيين، تقول ريم: في إحدى الليالي كانت طائرات التحالف تقصف المكان وعمت الفوضى وفتحت أبواب المكان وبدأ الجميع بالهرب وكان هناك غرف مخصصة للرجال وهرب القسم الأكبر وأنا منهم مع ثلاثة رجال وسيدتين. اختبأنا في منزل قريب من المكان وساعدنا أصحابه بالهروب بعيدا عن مقرات داعش. وعندما رويت قصتي للرجال الذين هربوا معي أخبرني أحدهم أن زوجي قد تم قتله من قبل داعش منذ اليوم الأول لاعتقاله، أما والدة زوجي فلم أعلم عنها شيئا، قرر هؤلاء الرجال مساعدتي للوصول إلى أبنائي. وصلنا إلى المكان بعد تعب وعناء ومخاطر كثيرة. لم أجد عائلتي ولكن وجدت رقم هاتف مع جارتنا لشقيق زوجي الذي جاء وأخذ الأولاد وجدّهم، استطعت الوصول لهم من خلال الهاتف وعلمت أنهم متواجدين في تركيا. لم اكن املك نقودا لكن الرجال الذين فروا معي قالو لي «أنت أخت لنا ولن نتخلى عنك حتى نوصلك إلى عائلتك».
ينتهي المطاف على الحدود، تختتم ريم كلامها: رحلة شاقة فيها الكثير من الخطر والتعب والجوع. أخيرا وصلت إلى الحدود ولا أعلم كيف! خمسة عشر يوما منذ خروجنا من السجن. دخلت إلى تركيا عن طريق أحد المهربين مقابل مبلغ مالي دفعه الرجال الذين كانوا معي. وصلت لأطفالي وأنا معهم الآن ولكن منهكة وضعيفة وحزينة لوفاة زوجي وأمه، وأصبحت مريضة لا أستطيع إعالة أطفالي. هناك الكثير من التفاصيل عن مأساتي واعتقالي لكن الكثير من الكلام غير المباح.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*