نجاتنا، ضدّ ثقافة الكراهية

11391270_734340753355047_3698087674055253369_n

يسود المنطقة العربية منذ بعض الوقت، ومنطقة الشرق الأوسط بالعموم، ما يمكن أن يطلق عليه «هستيريا كراهية جماعية « تتربع على رأسها جميعا، كراهية ذات بعد مذهبي، تغذّيه وسائل إعلامية دينية ذات توجهات معينة، سنّية وشيعية بالدرجة الأولى.
صحيح هي ليست حديثة تماما، لكنها نمت وتضخمت خلال السنوات الفائتة. ويمكن اعتبار هذه الظاهرة من أخطر ما مرّ على المنطقة منذ زمن طويل، والتي تُنذر بحروب بينية(بعضها قام بالفعل لكنه توقف مؤقتا) وأيضا تُنذر بحروب أهلية(بعضها قائم بالفعل منذ عدة سنوات)لا تُهدد صيغ التعايش المستمر منذ قرون فحسب، بل تُهدد التركيب الديمغرافي لسكانها جميعا، وتفتح المجال عاليا أمام تغييرات حدودية جغرافية، دون أن يكون في هذا القول أي مبالغة، طالما استمرت الحال على هذا الحجم من التحريض على البغضاء والكراهية، ضد جميع قاطني المنطقة بسهمين متعاكسين.
من غير أن يتم التدخل الواعي للقيام بفعل جماعي مسؤول، وتعاون منتظم من قبل الدول والأنظمة التي ما زالت متماسكة ومستقرة إلى الآن، سيبقى الخطر جاثم. والحديث عن «سايكس بيكو « جديد هذه الأيام، أصبح يلقى آذانا صاغية والتسليم شيئا فشيئا بفكرة تقسيم الكيان الواحد إلى عدة كيانات.
إن التدخل الهادف لوقف هذه الموجة الخطيرة من التأجيج الطائفي والمذهبي لن يحصل، طالما لم يتم تحسس الخطر بشكل مباشر من\وعلى المنظومة العربية (التي توصف بالمعتدلة)وطالما أنها لم تتيقن بأنها مهددة بوجودها إن لم تبادر إلى إصلاحات بنيوية، إدارية وسياسية تحصنها داخليا وخارجيا. وهذا أمر هو بالضد من الاعتقاد الخاطئ المعاكس، والذي يعتقد بأنها (الأنظمة)ستفقد سلطاتها فعليا في حال المبادرة إلى تلك الإصلاحات.
(المفترض نظريا وجود رؤية عربية مشتركة ذات طابع استشرافي فيما يخص قضايا الأمن العربي، ليتم التعامل معها بصفتها قضية إستراتيجية، لكن في الواقع لا وجود لمثل هذا الأمر. الإشارة الوحيدة الفعّالة في هذا الخصوص- وهذا أيضا يخضع إلى طبيعية العلاقة الثنائية العربية في اللحظة المعنية- هو بقاء التنسيق الأمني في القضايا الجنائية والنشاط السياسي المعارض.
قد يُستشف مما سبق أني أعني بالتحرك دول الخليج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، كونها الدولة الأكثر تأثيرا في محيطها. للحق أنا أعنيه تماما، لكن ليس بصفته التحرك الوحيد، ولا حتى الرئيس بالضرورة.
فالخطوة الصغيرة التي تمت من خلال عملية « عاصفة الحزم « هي التي شجعت على رفع منسوب الطموح لدى الشارع العربي. خاصة وقد استطاعت المملكة السعودية خلال زمن معقول نسبيا، أن تحشد تجمعا عربيا- وحتى إسلاميا- وتشكل تحالفا عريضا من دول وحكومات، فاجأ الغرب قبل الشرق، والأصدقاء قبل الأعداء؛ كما فاجأ النظام الإيراني المعني المباشر بالتحرك العربي.
نعم لقد اعتبر التحرك بداية «صحوة « عربية وإسلامية لدول المنطقة، عبر العمل العسكري «المحدود « في اليمن. رغم إن المستهدف الرئيس من وراء العملية، هو مواجهة النفوذ الإيراني الساعي للتمدد دون رادع. فكان اليمن هو المدخل، بينما الهدف هو أبعد من ذلك.
لكننا في الواقع نحتاج لنمط آخر مختلف من الخطاب، مغاير عن ما هو سائد حتى الوقت الراهن.
فهذا الفضاء الفوضوي المفتوح على الجميع، والمزدحم بالقنوات الإعلامية الدينية التحريضية، يجب أن يتم تنظيمه، بل قوننته بدرجة كبيرة حتى يمكن نزع فتيل الحرب المستعرة منذ بضع سنوات، حرب البغضاء والكراهية التي تملأ المكان والعقول، خاصة العقول الغضة الفتية، حيث يتم مخاطبة العاطفة واللعب عليها في عملية التعبئة والتجنيد. وما يتم زرعه، يتم حصده على الجاهز، من قبل المنظمات الإسلامية المتعصبة والمتطرفة على طول الأرض وعرضها. ليعود ويطال الجميع، دون أن يوفر أحداً حقيقة، إرهابا وخرابا.
والسؤال الذي يطرح نفسه مثلاً، لماذا يوجد أكثر من تسعين قناة دينية سنّية، وأربعين قناة شيعية تقريبا، والتي تسيطر على 28 % من الإعلام المشاهد؟!
بكل بساطة إن وجود هذا الكم من هذه الوسائل الدعاوية، لن يتسبب إلّا في المزيد من الفوضى الفكرية والعقائدية، والتشويش الذهني، والأذى النفسي للمتلقي. إن اللغة التحريضية المذهبية والطائفية التي تسود منطقتنا العربية والشرق أوسطية ضد الآخر المختلف، في الدين والعقيدة والفكر، يجب وقفها، والبحث عن سبيل ما بين ذوي الرأي والمشورة، قبل فوات الأوان، ليضعوا التشريعات القانونية والأخلاقية المناسبة، التي تجرم هذه اللغة البغيضة، وتمنع تداولها من دون رقيب أو حسيب.
(شخصيا متيقن من صعوبة الأمر، ومدرك للعوائق الهائلة التي تقف في وجه التنفيذ العملي. وربما من أخطرها جميعا، إدخال الدين في السياسة، نحصره مبدئيا لدى طرفي الصراع السنّي الشيعي. لكن لا خيار أمامنا سوى دق ناقوس الخطر، والتنبيه بأضعف الإيمان، بأن النار ستطال الجميع، جميعنا، كما جميعكم!). فالكراهية- نفسيا وعضويا- تؤذي الذات كما تؤذي الموضوع.
وللحق، نحن في سوريا في هذه الأيام، وفي المستقبل أيضا، أحوج ما نكون للغة إعلامية إنسانية مسؤولة ومتسامحة، سمتها الوطنية السورية، إن كنّا نروم إنقاذ ما تبقى من بلدنا وشعبنا السوري.
طبعا اللغة الإنسانية المتسامحة، لا تعني أبدا إغفال الأخطاء والتجاوزات التي حصلت، أو التي لا تزال تحصل، ولا تعني أيضا التستر على المسيئين للشعب السوري من أي طرف كان، وإلغاء المحاسبة.
كذلك لا تساوي هذه الرؤية بين النظام(مالك الحكم والقوة والثروة، والمسؤول عن حماية البلد والناس!) وبين الناس المنتفضين على الظلم والقهر. فالجلّاد بيّن والضحية كذلك. فلكل أسبابه وحسابه، وبالقانون المدني الذي يجب أن يسود على جميع السوريين، ويحكم بينهم جميعا.

مروان محمد