هل يريدون حقاً القضاء على الإرهاب؟!

11162510_861189857295395_4814903466234440044_n

تسمع عبارة الحرب على الإرهاب، مكافحة الإرهاب، إلى آخر القائمة من هذه العناوين الحربية في كل ساعة ومع كل نشرة أخبار، لدرجة بت تشعر معها بالقرف من ترداد هذه « الكليشيه» الفارغة، والتي لم يتم التعامل معها يوما بجدية تناسب الخطر الذي يمثله الإرهاب في عالم اليوم، مع أن الخطر جدي ويهدد الجميع، دون استثناء.
وكون الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقود حملة مكافحة الإرهاب، خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر\أيلول عام 2001، فإن المراجعة الأولية لنتائج هذه الحملة على مدى السنوات التي تلت الهجمات (أربعة عشر عام) تظهر نتاجا هزيلاً حول جدية السلوك الأمريكي -يكاد يكون مريبا في المحصلة الحالية التي نراها أمامنا-تجاه هذا الهدف المعلن.
فبدلا من إنقاص معدلات الإرهاب خلال الحملة الدولية، نراه قد ازداد، كما ونوعا، بدرجة ملحوظة وخطيرة، وتوسعت مجالاته ليدخل عالم التكنولوجيا، وبات فضائه مفتوحا ومكان استهدافه كل العالم تقريبا. بل وازداد عدد الإرهابيين المنتسبين لهذا الفكر وتنظيماته بشكل خطير، وما فتئ ينمو ويتضاعف وينتشر في كل دول العالم، شاملاً مختلف الأجناس والأعمار، ليؤشر على أن هنالك أمرا ما يدعو للتساؤل؟
إذاً، ما الذي كان يحصل بعد حربين كبيرتين في أفغانستان والعراق خاضتهما أمريكا، ومواجهات متفرقة من قبل مختلف دول وحكومات العالم الغربي والشرقي، ومن كل الجهات والجبهات، والتي رفعت شعار الحرب ضد الإرهاب، واستنفرت لمكافحته على غير صعيد؟
واضح أن هنالك خلل ما، أو حلقة مفقودة في إستراتيجية المواجهة هذه، حتى تكون النتائج هزيلة على هذا الوضع الذي نراه في الوقت الحالي.
لنلقي نظرة مبدئية على حيثيات تلك الحملة التي تسمى « القضاء على الإرهاب» على أمل إيجاد ما يمكن أن يساعدنا على الفهم بشكل أفضل.
الجميع يعلم بأن الإرهاب السياسي قديم قدم التجمعات البشرية التي خرجت للتو من العلاقات القائمة على القربى والدم، إلى رحاب أوسع وأكثر تنوعا وأكثر تنظيما والتزاما بقوانين وضعية تناسب تطور المرحلة التاريخية والبيئة المحلية، لكنها بالمقابل أكثر قابلية لتضارب المصالح، وبالتالي للتنافس، والذي قد يأخذ أشكالا عنيفة في لحظات مصيرية حاسمة. ونحن إن قبلنا التعريف الأولي المكثف للإرهاب، باعتباره تحقيق غاية سياسية عبر ممارسة العنف بالقول أو بالفعل، أو بكليهما معا، فإن ذلك يحيلنا مباشرة إلى الدخول في صلب موضوعنا، مسببي الإرهاب وفاعليه، والسياسة المتبعة لمكافحته حديثا.
لقد مرّ التاريخ القديم والحديث على السواء، في عصور إرهاب عديدة ومتنوعة، مورست فيها أشنع الفظاعات داخل الشعوب نفسها وخارجها، بل وبعيدة عنها جغرافيا آلاف الأميال.
وللأسف، لا زلنا إلى اليوم نعيش عصر الإرهاب بكل صنوف الشناعة والبشاعة التي تتفتق عند البشر، في مثل هكذا مواقف، منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.
ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة، أن قشرة المدنية والتحضر لدى إنسان اليوم لا زالت رقيقة للغاية، يعني بأن قبول الإنسان للآخر (أخيه في الإنسانية!) المختلف عنه في الثقافة واللغة وفي طرق العيش، وفي تقرير مصيره بنفسه، لا زالت بعيدة عن الثبات والرسوخ، وإن هذه القشرة هشّة عند كل منعطف مصيري حادّ، تُظهر كم إن هذا الإنسان لا يزال يعيش البربرية، رغم كل المظاهر المدنية والتقنية في عالم اليوم.
وبالعودة إلى الحملة الأمريكية على الإرهاب، نراها كيف تجرّ العالم من وراءها بالقوة -تحت اكراهات متعددة- لتحذو حذوها، مع الاحتفاظ لنفسها بحق الضربة الأشد، وفي المكان الذي تختاره هدفا لحملتها. هنا سنجد أن كل الدول محكومة بهذا السقف، سواء كانت حليفة أم صديقة، أم نص نص. هذه الوضعية تبرهن في تقديري الشخصي، على أن الولايات المتحدة لا زالت هي الممسكة بورقة الإرهاب (تعريفا وحسابا، أشكالا ونماذج، مكانا وزمانا، وتقرير خطر الإرهاب من عدمه) والتي يستخدمها صانع القرار الأمريكي تبعا لمنطلقين رئيسيين:
أولهما، حماية المصالح الأمريكية الإستراتيجية، داخليا وفي العالم، من أي خطر قائم أو محتمل (تجدر الإشارة هنا، إلى أن تعريف هذه المصالح وتحديدها، أو مدى أحقيتها، تخضع للمحاجّة والجدل الشديدين في العالم بأسره، لكن بدوافع عديدة ومتنوعة، ومن زوايا نظر مختلفة).
في هذه الجزئية يجب ألا ننسى إن أثر العمليات الانتحارية الإرهابية في نيويورك وواشنطن، ستكون حاضرة لا محالة، في العقل الأمريكي عند صنعه للقرار، أو خلال اتخاذه له. وهذا ما شاهدناه ولمسناه في السلوك الأمريكي عقب تلك العمليات وحتى تاريخ اليوم.
(رغم كل العقود التي مرّت، تُرى هل شفي العقل الأمريكي من عقدة فيتنام؟!).
أما المنطلق الثاني، فيتمحور حول ضرورة وجود «عدو» خارجي- كون الداخل ممسوك بحزم؛ رغم الهامش الكبير من الحريات على اختلافها، ورسوخ قيمها في المجتمع الأمريكي على غير صعيد – يمنح حرية حركة أكبر لصنّاع القرار الأمريكيين، ويبرر سوء السلوك والتصرف في حالات وأماكن مختلفة، أو حتى ليغطي عند الضرورة على المغامرات المكلفة لبعض المغامرين، سواء أكانوا سياسيين، أم عسكريين (بالطبع من دون أن نغفل دور المجمّع الصناعي الحربي والطغمة المالية، في كل هذه العملية) كذلك ليبقي كل العالم مُستنفرا مشدودا لحين الحاجة، حاجة الأمريكيين أولاً.
إن صح هذا، سنكون أمام «دور و وظيفة» للإرهاب لمّا تنتهي بعد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أولا، كذلك لبعض الدول الغربية، والمشرقية الخ..
في هذه الحالة سيتوجب على الدول والشعوب المبتلاة بالتطرف، والمتضررة مباشرة من العنف والإرهاب أن تواجه هذه الآفة بنفسها، بالاعتماد على قدراتها هي أساساً، وتعالجه بطريقتها الخاصة، ومن ثم بالتعاون مع الآخرين من المجتمع الدولي. كون التعاون والعمل الجماعيين أمران لا مفر منهما لمكافحة آفة الإرهاب.
من دون إغفال التعامل مع مسبباته العديدة، وعلى رأسها جميعا الاستبداد.

مروان محمد