أم المشاوي والكبب تبحث عن قطعة لحم غير آدمية وقليلا من البرغل وعلبة منظفات

3223819581

هي حلب يا سادة، بل هنا حلب، التي لا يزال السوريون يرددون لقبها طباقاً، «حلب أم المشاوي والكبب»، هي حلب التي كنت تدخلها جائعاً وتخرج ورائحة شواء لحومها وزيوتها المحملة برائحة الكبة وحلوياتها التي لم تغادر لسانك يوماً، لا تبرح تجدد ذاكرة حواسك بما لذ وطاب.
هي حلب التي ما عادت كما هي. حلب التي يجوع نصف أهلها، بينما النصف الآخر لا يزال واقفاً على عتبات من حملوا بضع لقيمات يقمن صلب الخائرين جوعاً، حلب التائهة بين سارقيها وقاتليها وناهبيها ومن تبقى من حاملي همها وأهلها، وهل ينادي بواكي حلب يوماً كما نادى رأس اليمن «نحذر من ثورة جياع».
الأوضاع الميدانية المتمثلة بهجوم تنظيم الدولة على مدن وقرى ريف حلب، انعكس بشكل ملحوظ، على الحياة المعيشية داخل المناطق المحررة، وبشكل خاص الأحياء المحررة، داخل مدينة حلب، والتي شهدت مؤخراً ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار المحروقات والمواد التموينية.
التنظيم تقدم مؤخراً واستطاع قطع طريق حلب – الباب، وطريق حلب – إعزاز، والذي سعى النظام جاهداً منذ عام ونصف لقطعهما أو رصدهما، وقام طيرانه بتمهيد تقدم تنظيم الدولة إلى تلك القرى، وذلك بقصف مواقع الجيش الحر في هذي القرى ومحيطها، أثناء الاشتباكات. وتعتبر هذه الطرق الرئيسية التي توصل حلب مع محيطها المحرر، وتوصل المناطق المحررة بمناطق النظام، والتي تمر بأماكن سيطرة التنظيم.
ويعد طريق حلب – الباب، الطريق التجاري الوحيد، الذي تأتي منه أنواع من الخضروات من الريف الشرقي، وتأتي منه كافة أنواع المحروقات، التي يتم نقلها، من مناطق سيطرة داعش ومناطق النظام على حدٍ سواء، وقطعه أدى لشُح في المحروقات وارتفاع أسعارها الى الضعف، مما أثر بشكل كبير على الحركة التجارية في المدينة، والتي تشهد أصلاً حركة بطيئة بسبب ارتفاع سعر الدولار، كما أدى قطع الطريق الى توقف عمل المئات من سائقي سيارات النقل المأجورة، الذين كانوا يقومون بنقل العمال والموظفين من المناطق المحررة الى مناطق سيطرة النظام، بالإضافة لتعطل عمل آلاف السيارات التي كانت تنقل المحروقات من مناطق داعش بريف حلب الشرقي، والشمالي الشرقي، قادماً من شرق سوريا، الى مناطق في حلب وريفها وحتى ريف ادلب، إضافة لوصول «بلّ»ِ انقطاع المحروقات إلى «ذقن» الأفران في مدينة حلب التي باتت مهددة، بعد النقص الحاد في توفر المحروقات، والذي وصل لحد انعدامها.
أيضا أدى انقطاع الطرق لارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية، كنتيجة لارتفاع أجور النقل وقلة المحروقات وارتفاع أسعارها أيضا، كما تضرر الكثير من المواطنين الذي كانت تربطهم أعمال بمناطق سيطرة النظام، و لم يستطع الموظفون الذهاب لاستلام رواتبهم، وهم بمثابة محرك رئيسي لاقتصاد المناطق المحررة، من خلال تشغيلهم لسيارات النقل والمحال التجارية والغذائية.
كما أن انخفاض فرص العمل في المناطق المحررة، أثر بشكل سلبي جداً على الأوضاع المعيشية للمواطنين و منهم الشاب « أبو حمزة» على سبيل المثال الذي كان يعمل في إحدى معامل الطباعة في المنطقة الصناعية في « الشقيف» و يتقاضى راتب « 30 ألف ليرة سورية شهرياً، و لكن « دوام الحال من المحال»، فبعد سيطرة « قوات النظام» على المنطقة الصناعية فقد «أبو حمزة» عمله كما فقد المعمل «أجزاء منه» بسبب المعارك التي حصلت في منطقته وبدأت رحلة العذاب.
عوائل حلب تشتكي: السلال الغذائية لا تلبي احتياجاتنا الغذائية
«أبو حمزة» البالغ من العمر « 29 سنة» متزوج ولديه طفلة عمل في عدة مهن بعد أن كان «يعشق» صوت الماكينات الصناعية و آلات الطباعة، لكي « يسد رمق أهله» فقام بافتتاح محال لبيع « الدجاج المشوي» و لكن لم يحالفه الحظ، فقام بافتتاح محل لبيع المازوت في الشتاء الماضي، و « أصبح لديه زبائن» و لكن مع دخول فصل الصيف لم يعد الطلب على المازوت «المفرق» كبيراً
منذ شهر من الآن قرر « أبو حمزة» السفر إلى تركيا مع عائلته «طلباً للرزق و الكفاف»، و بدأ ببيع «أمتعة منزله و حوائجه وأثاثه» بدايةً من « الغسالة الاوتوماتيك» التي تساوي « 80 ألف ليرة سورية» فقام ببيعها ب «20 ألف ليرة» و غرفة نومه ب «35 ألف ليرة» و بدأ ينتظر فتح الحدود التي طال انتظارها.
حال «أبو حمزة» مشابه كثيراً لأحوال الشباب « في المناطق المحررة بمدينة حلب الباحثين عن «كرامة العيش» فارتفاع أسعار المواصلات والخضروات و اللحوم، جعل من «الشباب حائرين في أمرهم و ليس على ألسنتهم إلا «ما بيطلع بالأيد شي».
في « جمعية السلام الخيرية» بحلب إحدى الجمعيات الخيرية التي ترعى «أيتام الشهداء» لا يمر يومُ إلا و يأتي من يبحث عن «مساعدة لعائلته» التي تشتكي لله قلة الدخل وانعدام العمل وكثرة المصاريف و قلة الدخل و صعوبة تأمين لقمة العيش.
فالسلال الغذائية التي يتم توزيعها شهرياً على العوائل الصامدة في مناطق حلب المحررة لا ترضي أرباب الأسر بسبب تكرار أصنافها «رز، برغل، عدس» مما يضطر العوائل «لبيعها « بأسعار بخسة – أرخص من بلد المنشأ- و يشترون بسعرها» ما يحتاجونه، من منظفات و خضار و لحوم.
عبد المنعم جنيد ناشط اغاثي في جمعية السلام تحدث لـ «زيتون» عن موضوع نوعية وجودة المواد الاغاثية قائلاً: أرى أن سوء اختيار المواد الغذائية تتحمله المنظمات الإغاثية العالمية و العربية و الداعمين السوريين أيضاً، لأن الكل يبحث عن وزن السلة ولا يبحث عن مضمونها، فمواد التنظيف أهم بكثير من العدس والبرغل لتخفيف الأمراض المعدية من الجرب و القمل، التي بدأت تنتشر في الأحياء الشعبية بحلب بشكل كبير ك «تل الزرازير وكرم النزهة» نموذجاً.
إذا الشعب الحلبي يقتل ثلاث مرات، مرة ببراميل وأدوات إجرام نظام الأسد، ومرة بحصار تنظيم الدولة له، ومرة بتخاذل المنظمات الدولية عن سد حاجة الشارع الحلبي من المواد الاغاثية، التي لا تلبي ولا حتى 50% من احتياج ما يقارب الـ 600000 نسمة مازالوا يعيشون داخل المدينة، وتحت خط الفقر، ويعتمد معظم الأهالي على ما يقدم من المساعدات غذائية، واختارت تلك العائلات البقاء في المدينة كونها لا تمتلك القدرة على تحمل أعباء السفر والنزوح خارج حلب أو إلى تركيا، وتصل نسبة البطالة بين أوساط تلك الفئة إلى نحو 90 في المائة، الأمر الذي ساهم في ازديادها توقف القطاع الصناعي الذي كان يعتبر من أهم موارد الدخل والتشغيل في حلب، إضافة إلى توقف أعمال التجارة، واقتصار المشاريع المتبقية على رؤوس أموال بسيطة لا يمكنها تأمين فرص عمل لغير أصحابها.

محمد علاء