العلاقة بين العنصر والتنظيم العسكري

11063247_660386447431134_39251243_n

«أنا واثق أنهم يسهرون يومياً، ويلعبون الورق ويدخنون، وليس لهم أي علاقة بالفكر المتشدد، ولكنهم يريدون الخلاص بأي شكل، ويريدون مقارعة النظام وحماية أنفسهم وبلدهم بأي طريقة، بعد أن سدت السبل في وجههم».
بهذه الكلمات عبر أحد الشباب السوريين عن تأييده لتنظيمات قد لا تناسب طريقة تفكيره، ولا تسعى للدولة المدنية التي يريدها. هل نتحدث عن حالة من الفصام والشيزوفرانيا؟ أم أن الوقائع رمتنا في ظروف وفي لعبة أكبر منا، يجب أن نرضى فيها بدور المسيَّر أحياناً، فخياراتنا صعبة المنال ورؤانا مستحيلة التحقق؟
يقول الناشط بدر الدمشقي: «نعم، هي لعبة.لكن أن تكون أكبر منا هنا أختلف معك. من الممكن ان تتقاذف الكرة السورية كل أرجل اللاعبين (محليين و إقليميين و دوليين) لكن اللعبة تلعب على الأرض السورية، و الحكم: الشعب،فصاحب الأرض هو الذي يقرر من يبقى و من إلى زوال».هل اسقاط النظام يجب أن يمر بظروف كثيرة من التجارب العبثية القسرية والدوران بالمكان؟هل العنصر لم يعد له حول ولا قوة، وهو الحلقة الأضعف في سوق الدول والدعم والممولين؟
يقول الكاتب عمار الأحمد: «العنصر في التنظيم الجهادي، وباستثناء الجهاديين القادمين من الخارج أو بعض السلفيين ذوي التربية الأصولية القديمة، هو معارض للنظام ويريد إسقاطه، ويريد بناء دولة لكل السوريين. هذا العنصر تعرض طيلة أربعة سنوات مضت لكل أشكال الانتهاك، لكل أشكال الحرمان، ومنع عنه السلاح والمال والطعام، وبإيقاف الدعم اضطر مجبراً للذهاب إلى التنظيمات الجهادية.
ليست الجهادية خيار السوريين ولا خيار العناصر البسطاء في هذه التنظيمات، وهي مرفوضة مجتمعياً ومكروهة لما تفرضه من اكراهات وتسلط واستبداد يوازي النظام ويزيد، فهم يتدخلون بكل حركة يقوم بها الناس، خارج منازلهم وداخلها بل وحتى ما يدور في قلوب الناس، لذلك لا مكان للجهادية في سورية، وسبب وجود العناصر البسطاء فيها الآن: فقط الحرب وشح الموارد ويمكننا اضافة رداءة المعارضة وغياب البديل وتحول الصراع ضد النظام إلى حرب كاملة».
هذا التهديد الوجودي الدائم والحرب الشاملة التي يشنها النظام على الشعب أجبرت الثورة على التسلح، وأجبرت الأفراد على المقاومة والانضمام لأحد التنظيمات المسلحة.وإذا كنا نريد القول أن العلاقة بين التنظيم والعنصر خلال الثورة السورية ملتبسة ومتأرجحة ومؤقتة، ولا يعد الإيمان بأهداف التنظيم شرطاً لها، فربما كان هذا من البديهيات. انتقال عنصر بين تنظيمات وكتائب مختلفة، انتقال كتيبة أو مجموعة من لواء لآخر ومن حركة لأخرى، تغيير الأعلام في المقرات وعلى السيارات، كلها أمور كانت شائعة جداً.
يروي أحد العناصر قصة تركه للسلاح: «أثناء حصارنا لأحد الحواجز، انشق عنصر من الجيش، وساعدنا في السيطرة على الحاجز بالمعلومات والارشادات، وبعد أن أتممنا العملية، فوجئت بالعنصر مقتولاً لأنه علوي» قد يكون خطأً فردياً، ولكن هذه القصة جعلت صديقنا يترك السلاح فترة،قبل أن يضطر للعودة بسبب الحاجة لمصدر دخل. العنصر في التنظيم المسلَّح المعارض،أو -بتعبير أدق- الثائر السوري الذي أجبر على حمل السلاح بسبب قمع النظام بعد أن ترك عمله أو دراسته، لا يملك الكثير من الحرية في اختيار التنظيم، أو اختيار فكره وطريقة عمله، إذاً فما جدوى العمل المسلَّح؟
قالت الناشطة أليس مفرح: «أنا كوني علمانية لا أؤمن بالسلاح بوصاية الدين، السلاح بداية بيد الجيش الحر، كان من اجل مشروع التغيير الديمقراطي، لكن تجنيده للمال السياسي حول سوريا ضمن حزمة المصالح الدولية، لذا أرفض بعض التنظيمات لأننا لانريد استبدال استبداد باستبداد آخر».
وما بين تنظيم وآخر، وفرد وآخر تتنوع العلاقة بين الفرد والتنظيم. هل انضم العنصر للتنظيم بقناعته، أم كان الخيار الوحيد المتبقي أمامه؟ هل انضم من أجل أهداف التنظيم، أم من أجل إسقاط النظام فقط، وكأن التنظيم لديه مجرد وسيلة؟ هل التنظيم مصدر دخل لا أكثر بالنسبة للبعض؟
ما موقف أبناء الثورة من المنضمين لتنظيم الدولة بعد أن أعلنت الفصائل الأخرى معاداتها للتنظيم؟ وإذا كانت أغلب التنظيمات لديها هدف واحد ألا وهو: محاربة النظام, فإن تنظيم الدولة أثبت عداءه للثورة، وحوادث اعتداء التنظيم على عناصر جبهة النصرة وأحرار الشام والتنظيمات الأخرى كثيرة.
يقول الصحفي السوري أسعد حنا: «العناصر المنضمة لتنظيم الدولة نسبة كبيرة منهم كشبيحة النظام الذين تورطوا بخط معين ولم يعد من الممكن التراجع عما بدأوا به. بالتأكيد ما يقومون به لا يمت للإسلام بصلة، وانما هو تسييس وتحريف للدين.يختلف تنظيم الدولة عن الأحرار وعن النصرة، رغم تشابه التصرفات بين بعض الفصائل الا أنها تختلف من نواحي أخرى. أثبتت النصرة محاربتها للنظام الا أنها لا تتماشى مع فكر الثورة وإنما لها أهداف أخرى».مضيفاً: «ما يدور الآن من استغلال للدين الاسلامي هو نفسه ما تم من استغلال الدين المسيحي سابقاً في الحروب الصليبية، والمقاربة بينهم متشابهة جداً من حيث طرق التجنيد والترغيب والتحريف، فهي آونة مرحلية ستنجلي قريباً».
في رواية القوقعة، يعرض مصطفى خليفة قصة اعتقاله في سجن تدمر؛الذي غيِّب فيه لعقود مع ألاف من المعتقلين الاسلاميين.ويتعرض في ثنايا السرد لمجيء القائد المتشدّد أبو القعقاع الذي يقلب أوضاع المهجع رأساً على عقب،حيث يجمع حوله عناصر تنظيمه، ويتهم التنظيمات الأخرى بالتفريط بواجب الجهاد،وبأنهم أصحاب بدع،وينشب الخلاف بين السجناء حول قضايا عدة، من بينها: حكم الإعدام الذي أصدره بحق الراوي بتهمة الكفر. إلى أن يغادر المهجع:
«عادت العلاقة بين المتشددين وباقي المهجع لتصبح ودية، خاصة أن المتشددين بالعام شباب صغار السن أقرب إلى الطيبة والسذاجة، شرط ألا يقع بينهم أبو القعقاع أو صعصعة أو أبو قتادة!. بقوا هم الأكثر عطاءً وتضحية».

حسين جرود