شخصيّات قلّ نظيرها

زيتون – بشار فستق5d630f1e89ca7918335fd7616dd284c0

هل سيتجرّأ أحد من كتبة السلطة، على البدء بمشروع كتابة عمل دراميّ يصف شخصيّة حافظ الأسد، أو حتّى مجرّد اقتراح هذه الفكرة على الجهات (المختصّة) داخل نظام العصابة؟!

هل ستطلب هذه الجهات (المختصّة) من أحدهم تناول (القائد الخالد الرمز) في عمل دراميّ، يتمّ فيه تشخيصه المباشر؟

لا؛ لأنّ في ذلك – ربّما – انتهاكاً للهالة المقدّسة التي تنفخ فيها كلّ الأجهزة الإعلاميّة المخابراتيّة بشكل مستمرّ ومتجدّد ودؤوب، بما يشبه الروتين اليوميّ، كما كانت الأنظمة التوتاليتاريّة القاتلة، ومازالت في هذا العالم، تصنّع ديناصوراتها الدمويّة التي تعيش طالما ظلّت تسحق بشراً.

وقد ترسّخ هذا الخوف من تناول الشخص المؤلّه المنزّه، والذي لا يُسمح بالتعامل معه كبشر مثلنا. فأصبح من المستحيل على كتبة السلطة، ومهما كانوا مقرّبين، ومهما ارتفعت قدرتهم على المديح والرياء والمداهنة، أن يفكّروا بتجسيد شخصيّة حافظ مباشرة في عمل دراميّ.

نحوّل السؤال إلى الطرف الآخر؛ لماذا لا يبدأ ممّن يمتلكون صوتهم – ومنذ نحو خمس سنوات – على تجسيد تلك الشخصيّة، التي يمكن من خلالها فضح التكوين الحقيقيّ للعصابة المستمرّة حتّى اليوم؟!

كمقترح، يمكن أن نبدأ السيناريو، بصفقة بيع الجولان وعمليّة التسليم التي تمّت خلال هزيمة حزيران، والتي تتوفّر اليوم الوثائق والشهادات الكافية عنها، وكيف بدأ الفرز  في حسابات حافظ إلى من هم في طرفه، ومن هم ضدّه، بمعنى: مؤيّدون له في استلام السلطة كاملة، ومنافسين له.

يشتدّ الصراع ويسيطر هو على السلطة وينهي خصومه عمليّاً في عام 1970، ليتمّ في هذا القسم التعريف بجذر التعطّش الإجراميّ للسلطة لدى هذه الشخصيّة، إذ تزيح بالاعتقال والاغتيال كلّ من يُحتمل أن يقف في طريقها إلى السلطة المطلقة، حتّى من أقرب الشركاء أو (الرفاق)، كما تظهر من خلال الحدث أنّ مسائل مثل: الوطن أو المواطن أو الأرض أو التحرير أو الاشتراكيّة أو البعث، وكلّ ما شابه ذلك من تلك الكلمات، لا تساوي شيئاً مقابل الاستيلاء على السلطة.

في المرحلة التالية، تطفو مسألة الألقاب والشعارات، القائد والمناضل والتصحيح والصمود و…، وتتسرطن عمليّات القتل لتشمل الفئات المختلفة من الشعب، فتزداد الشخصيّة دمويّة حتّى تأتي مرحلة المرض.

مرض الشخصيّة يأخذ فرعين، فيزيولوجيّ وسيكولوجيّ، مرتبطان طرديّاً، ويغلّفهما التكتّم، كلّ ما يجري يُتداول همساً، لكنّ الدبابات في الشوارع، الضعف الجسديّ واضح على الشخصيّة، لكنّها تطرح شعارات إلى الأبد!

في المرحلة الأخيرة، تتدهور الحالة الجسديّة، لدرجة عدم القدرة على الحركة، وتظهر شخصيّات عديدة تعمل وتقوم بالسيطرة الكاملة على أدقّ التفاصيل، فيما تكتفي الشخصيّة وقد أصبحت شبه ميتة، بهزّ الرأس والحشرجة، والموافقة على جميع ما يقدّم ممن حولها بما فيها أوامر القتل، وتتّخد وضعيّات الكومة من العظام، مع التلفّظ بحِكَم عن الخلود.

في النهاية، تظهر الشخصيّة غير قادرة على الحركة أو الكلام نهائيّاً، في حين يدور حولها أشخاص يقومون بمهمّاتهم، وكأنّهم يتلقّون الأوامر الروتينيّة، ويظهر الابن الوريث بشّار ككومبارس بيد المجموعة المحيطة.

لا بدّ من التأكيد على دقّة الشكل في الشخصيّة، رغم أنّ أفعالها الإجراميّة هي الأَولى بالاهتمام والفضح، ذلك لأنّ عدم تخلّي مثل هذه الشخصيّات عن مقاليد على السلطة، رغم نهايتها جسديّاً، يشكّل قاسماً مشتركاً فيما بينها.

أمّا التغيّرات التي حصلت بعد موت حافظ، فعلى الرغم من ارتباطها الكامل بما قبلها، فإنّ لها شأناً آخر، لا يزال يتفاعل، وبالتأكيد سيأخذ حيّزاً غاية في الأهمّيّة، إذ سيكون له الدور الأوّل في خلق سورية الجديدة، فشخصيّة الوريث المختلطة بين أبله وقاتل قلّ نظيرها في التاريخ، ورث عن أعتى الديكتاتوريّات عشرات السنوات الغارقة بالدماء، ثمّ غمرها هو بطوفان لم ينقطع من الدماء حتّى اللحظة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*