حكايات مهملة في كتاب

p22_20160513_pic1

زيتون – بشار فستق

في عودة إلى التاريخ لأخذ الدروس والعبر من حوادث متفرّقة ظاهراً ضمّتها دمشق في عصرها الحديث، وتناساها – ربّما – عن عمد الكتّاب والحكومات، ينتقي «سامي مروان مبيّض» المؤرّخ والكاتب، قصصاً (تبدو) متفرّقة من تاريخ سورية المهمل، ويضعها في كتابه «تاريخ دمشق المنسيّ، أربع حكايات 1916- 1936» الذي صدر حديثاً عن «دار الريس».

لا يخفي «مبيّض» أنّ ما يضمّه الكتاب من دراسات هي منشورة سابقاً بالإنكليزيّة، كما لا يخفي سعيه إلى تقديم هذه المادّة بهدف قراءة الواقع السوريّ اليوم وفهمه، كما المستقبل، عن طريق التحليل العلميّ.
قسّم الكتاب إلى أربعة فصول، لكلّ حكاية فصل، وسمّى الكاتب كلّاً منها «منسيّة». ففي الحكاية المنسيّة الأولى، يفصّل الكاتب أحداث أسبوع من تاريخ دمشق، وتحديداً في خريف 1918مع نهاية الحرب العالميّة الأولى والإمبراطوريّة العثمانيّة، يوم خرجوا من مدينة دمشق، ودخلت الجيوش العربيّة والإنكليزيّة إليها. فقد اضطرّ العثمانيّون إلى الانسحاب من دمشق تحت وطأة نيران مدافع جيوش الحلفاء. وكان سكّان المدينة لا يزالون تحت وطأة ما خلّفته الحرب، بالإضافة إلى المجاعة الكبرى التي أكلت بيروت، فدفعت بأهلها إلى دمشق كلاجئين؛ ليصبح عدد سكّان دمشق الضعفين. وهنا يعلن الأمير سعيد الجزائريّ (حفيد الأمير عبد القادر) في وجه جمال باشا الصغير (حاكم دمشق): «إنّني كجدي عبد القادر العظيم أرغب في المحافظة على الأرواح، ومنع الاعتداء على النساء والأطفال، والوقوف دون النهب والسلب، وما قد يحدث بين الطوائف المختلفة من أناس لا أخلاق لهم»، وقد وافق الأمير سعيد على طلب حماية الحاكم بشرط انسحاب جميع القوّات العثمانيّة والألمانيّة من المدينة. و أنزل العلم التركيّ عن سارية السراي الكبير ليرفع بدلاً عنه علم الثورة العربيّة، وشكّل أوّل حكومة، ثمّ تنازل للشريف ناصر عن الكرسيّ؛ وبذلك حافظ الدمشقيّون على مدينتهم.
الحكاية المنسيّة الثانية، من أيّام الانتداب الفرنسيّ، بعدما قسّم سورية إلى خمس دويلات صغيرة (دمشق، حلب، سنجق لواء اسكندرون، جبل العلويين، وجبل الدروز)، وكان قد فصل من أراضي دمشق عدّة أقضية (حاصبيّا، راشيا، بعلبك، سهل البقاع) وضمّها إلى (دولة) لبنان الناشئة. وبهذا سُجّل أوّل تقسيم عرفته الأرض السوريّة وقامت به فرنسا، وفرضت أوّل اتّحاد فيدراليّ بين الدويلات الثلاث (دمشق، حلب، جبل العلويّين) في حزيران 1922، كما أدخلت كلمة «علويّ» إلى القاموس السوريّ، على أساس أنّها للتفريق بينهم وبين المسلمين السنّة، الذين سمّوا في أوراقها الرسميّة بالمحمّديّين.
يرى «مبيّض» في هذه الحكاية أنّ السوريّين سعوا لإنهاء الاتّحاد الفدراليّ، لأنّه لم يأخذ في الاعتبار تاريخ البلاد ولا عادات أهلها، وكذلك استثنى جبل لبنان وجبل الدروز وسنجق اللواء من الاتّحاد، مع أنّها جزء من الأرض السورية، إضافة إلى تعامل فرنسا مع الأقلّيّات في الاتّحاد على أنّهم جيوب طائفيّة، مسقطة المواطنيّة عنهم، فكان بالمجمل مشروعاً استعماريّاً؛ ما دفع السوريّين إلى إنهاء هذه الفيدراليّة، وإعلان حلّ اتّحادها مع بدء عام 1924.
منسيّة ثالثة، يحكي فيها «مبيّض» ضمن «تاريخ دمشق المنسيّ» عن واحدة أعرق الجامعات العربيّة، وهي الجامعة السوريّة.
إذ كانت نواتها الأولى في عام 1903، بتأسيس «معهد الطبّ العثماني» قرب مجرى نهر بردى، ويذكر المبيّض أنّ بناءها كان ثالث بناء تصله الكهرباء (في عام 1907)، بعد إنارة الجامع الأمويّ، ومبنى السراي الكبير. بعد سنين نقل معهد الحقوق إلى دمشق من بيروت التي ضربتها المجاعة مع اندلاع الحرب العالميّة الأولى.
ويرى المؤلّف أنّه ومن خلال حكاية «الجامعة السوريّة» يمكننا قراءة تاريخ سورية الحديثة، وكيف تحوّلت من منارة علميّة عرفت الكثر من العظماء، وخرّجت، على مدى عشرات السنين، الآلاف من الأكاديميّين المتميّزين بمختلف الاختصاصات، إلى أن انحدرت وآلت إلى ما هي عليه مع بداية السبعينيّات.

أخيراً، الحكاية المنسيّة الرابعة، التي خصّ فيها الكاتب أوّل رئيس سوريّ منتخب، والذي يُعدّ مؤسّس الجمهوريّة السوريّة، وهو الرئيس محمّد علي العابد، أحد أبناء العائلات الدمشقيّة. فقد نجح العابد في الانتخابات، وألقى خطاب القسم في 11 حزيران 1932، كأوّل رئيس للجمهوريّة السوريّة، واستطاع إرساء اللبنات الأساسيّة للجمهوريّة، قبل أن يقرّر الاستقالة نهاية عام 1936، قبل نهاية ولايته، داعياً إلى انتخابات رئاسيّة مبكّرة، ليغادر الرئاسة بإرادته، خلافاً لكلّ الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم سورية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*