ما قلنالكم!

438

زيتون – اسعد شلاش

البعض ممن ينأى بنفسه عن اتخاذ أيّ موقف واضح وصريح تجاه ما تطرحه الحياة من قضايا ومشكلات سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وليس الهدف في هذا النص البحث عن الباعث النفسي من تردّد وتشكّك هذه الشخصيّات السكونيّة التي تتحفنا اليوم بمقولتها السمجة والمعتادة (ما قلنا لكلون) أن تسليح الثورة كان خطأ استراتجياً وكأنه كان هنالك خيار آخر أمام وحشية العصابة الحاكمة وإجرامها في نظر أصحاب هذه المقولة، غير آخذين بعين الاعتبار أن الثورة السورية مثلها مثل أية ثورة شعبية، والتي لم تأتِ استجابة لدعوة حزب أو جهة سياسية لتكن بالتالي تلك الجهة هي صاحبة القرار بالتسليح من عدمه بما لها من سلطة على أتباعها الثائرين.


أما في حالة الثورة السورية والحيثيّات التي ابتدأت بها كان التسليح ممرّاً إجبارياً، ولو بقيت الثورة محافظة على سلميتها فلن تتوانى العصابة الحاكمة عن قتل المتظاهرين السلمين بالرصاص وملاحقتهم في الأزقة والحارات وحتى في البراري ولعمدت على هدم منازلهم وحرقها، وكلنا يذكر ما الذي كان يفعله جيش السلطة عندما يجتاح بلدة أو مدينة لم تحتجّ إلّا بالمظاهرات السلمية ولم يحمل أحد من سكانها أيّ سلاح بعد، وأبسط المتتبعين لمسيرة العصابة الحاكمة يدرك أن هذه العصابة شأنها كشأن أعتى الدكتاتوريات لا يمكن أن تقدم أية تنازلات لشعوبها إلا مرغمة وكان هذا جليّاً منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة، حيث كان الردّ على المظاهرات المبكرة للثورة عنيفاً وإجرامياً، ولسان حال النظام سأقتل من يحتجّ سلميّاً بالرصاص أو بأيّ سلاح فرديّ آخر وسأردّ على السلاح الفرديّ بالمدفع والطائرة فالقتل، ثم القتل، ثم القتل.
وقد قالها صراحة منذ الأيام الأولى (الأسد أو نحرق البلد) ولم يكن الشعب السوري والنخب السياسية بيسارها ويمينها المحلية والدولية تتوقع أن ترتكب العصابة الحاكمة كل هذا الإجرام والوحشية في القتل والتدمير والتهجير واستخدام كافة أنواع الأسلحة حتى المحظورة دولياً مثل الكيميائي والفوسفوري والعالم قاطبة يكتفي بالإدانة والشجب والفرجة، كما لم يكن في حسابات من فجر هذه الثورة أنها ستدول وستصبح مجالاً لتصفية حسابات إقليمية ودولية فأيّة عبقرية يا جماعة (ما قلنالكم)؟ وما الخيار البديل الذي كان متاحاً أمام من يقتحم جيش السلطة وشيبهتها مدنهم في الليل والنهار، يقتلون ويختطفون من أرادوا.

وبعيداً عن الأحلام الثورية التي لا يشكّ في صحة نوايا من قال حينها بعدم تسليح الثورة، أمّا الجهابذة الذين يعزفون اليوم على نغمة (ما قلنالكم) هم فعلاً لم يقولوا لنا حينها ولكن هي فهلوية الشخصيات الخاملة والتي تمتنع عن التصريح بأيّ موقف في بداية كل حدث، ثم تلبس ثوب المتبصّر والعارف بعد أن تتجلّى النتائج، هذا إذا افترضنا حسن النيّة من الناحية السياسية وبقينا ضمن دائرة ما هو نفسانيّ وأن أصحاب هذه الشخصيات ذو صفات نفسانية سكونية فهم بطبعهم وطبيعتهم يتأففون من أيّ تغير ويدعون دائماً بثبات الحال، لكن في الواقع إن القسم الأعظم من جماعة (ما قلنالكم) لم يقولوا مقولتهم هذه في بداية الثورة وإن كانوا فعلاً قد قالوها وهم يرددونها اليوم بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وكأنهم جهابذة زمانهم وأبعد نظراً من كل مَن حولهم وأنهم كانوا يعرفون كيف ستؤول مجريات الأمور فأحياناً كثيرة كان البعض يختبئ وراء باب الخوف على الثورة في مقولة (ما قلنالكم) وهواه يسكن في بيت النظام، فكما أن هنالك مدح بصيغة الذم كذلك هنالك موالاة بصيغة المعارضة.
وانطلاقا من فهلوية بعض جماعة (ما قلنا لكم بلا التسليح) تكون جماعة (ما قلنالكم بلا هل الثورة) أكثر فهلوية وأبعد نظراً، وهكذا بعقلية مسطّحة يجيّر من فضّل الاستبداد على الحرية ما آلت إليه الأمور ليظهر أنه عارف بعيد نظر ومتبصّر.
ملاحظة: ليست الغاية هي مصادرة رأي مَن قال بالتسليح من عدمه أيام الثورة الأولى، بل المقصود فهلوية هذه الأيام أصحاب مقولة (ما قلنالكم).

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*