“أرجعني إلى البيت لا أريد تركيا”

110

خاص زيتون

في أيلول من عام 2015 وبعد حملة من القصف المكثّف من قبل الطيران الحربي والمروحي التي استمرت أكثر من أسبوعين على ريف إدلب، قرّرتُ الخروج مع عائلتي المكوّنة من طفلين وزوجتي باتجاه الحدود التركية بحثاً عن مكان أكثر آمناً.
وصلنا الحدود التركية في الساعة الثامنة صباحاً كنا أكثر من خمسين عائلة وعلى بعد 500 متر من السياج السلكي الحدودي الفاصل بين البلدين جلسنا تحت شجيرات الزيتون الصغيرة المعدومة الظلّ.
ولأنني لم أكن أملك جواز سفر وكذلك عائلتي، لم يكن باستطاعتنا العبور من المنافذ الحدودية الرسمية، لذا كانت وسيلتنا الوحيدة أن نقطع الحدود بشكل غير شرعي، ما قد يشكّل خطراً على حياتنا جراء إطلاق النار المعتاد من قبل الجنود الأتراك المنتشرين على الحدود.
الدخول بواسطة مهرب وهو رجل له اتصال مع بعض الجنود الأتراك -أو كذلك يدعي- ومرتبط بشبكة من المهربين الآخرين في داخل الأراضي التركية وقد قمتُ بالاتفاق معه على إدخالنا لقاء مبلغ من المال.
فشلتْ أولى محاولاتنا وكادت أن تودي بحياة بعض الأشخاص معنا، وذلك بعد أن تقدّمنا بناءً على طلب المهرب باتجاه الحدود، لكنّ حرس الحدود التركية بدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي وأصيب أحدهم في قدمه فتراجعنا بسرعة وسط صراخ النساء والأطفال، ومرّ النهار بلا أمل في الدخول.
مع حلولِ الليل والبرد والتعب بدأ بعض الناس بالعودة إلى مناطقهم لكنني أقنعتُ عائلتي بالبقاء والمحاولة مجدداً، لكنّ أمراً مفاجئا، قد حصل حين حاول بعض الأشخاص العبور من تحت الأسلاك ما أثار الجنود الأتراك ودفعهم لفتح نيران آلياتهم العسكرية بشكل جنوني.
بين أشجار الزيتون مددتُ طفليَّ وزوجتي محتمين من أزيز الرصاص الذي كان مسموعاً وهو يمرُّ من فوق رؤوسنا، بكتْ طفلتي ذات الثمانية أعوام وأخذت تتوسل لي: «أرجعني إلى البيت لا أريد تركيا».
حالة من الهلع دفعتنا للزحف باتجاه إحدى القرى القريبة لنحاول التقاط أنفاسنا في إحدى المساجد الذي خُصّص لراحة أمثالنا ممّن فِشلوا في العبور، في الساعة الثالثة صباحاً عدنا مرة أخرى وتمكّنا من اجتياز خندق بعمق متراً ونصف المتر حاملاً طفلاً عمره ستة أشهر وطفلة خائفة لدرجة الارتجاف، وزوجة مغلوبة على أمرها، لنصل أول قرية تركية مع بزوغ أول فجر آمن لنا منذ ثلاث سنين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*